للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى، وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما، كلهم من حديث يزيد بن هارون به (١)، وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره، والله أعلم، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضًا.

﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)﴾.

يقول تعالى مخاطبًا لموسى : إنه لبث مقيمًا في أهل مدين فارًّا من فرعون وملئه، يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الأجل، ثم جاء موافقًا لقدر الله وإرادته من غير ميعاد، والأمر كله لله ، وهو المسيّر عباده وخلقه فيما يشاء، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى﴾ قال مجاهد: أي على موعد (٢).

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى﴾ قال: على قدر الرسالة والنبوة (٣).

وقوله: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)﴾ أي: اصطفيتك واجتبيتك رسولًا لنفسي؛ أي: كما أريد وأشاء.

وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله قال: "التقى آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فوجدته مكتوبًا عليّ قبل أن يخلقني، قال: نعم فحج آدم موسى" أخرجاه (٤).

وقوله: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي﴾ أي: بحججي وبراهيني ومعجزاتي.

﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لا تُبطئا (٥).


(١) أخرجه النسائي بسنده ومتنه بنحوه (السنن الكبرى، التفسير، باب قوله: ﷿ ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] ح ١١٣٢٦)، وأخرجه الطبري وأبو يعلى من طريق يزيد بن هارون به (المسند ٥/ ١٠ ح ٢٦١٨)، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير أصبغ بن زيد والقاسم بن أبي أيوب وهما ثقتان (مجمع الزوائد ٧/ ٦٥)، وقد رجّح وقفه الحافظ ابن كثير والمزي علي ابن عباس ، ولبعضه شواهد مرفوعة صحيحة.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)﴾ [طه] (ح ٤٧٣٦)، وصحيح مسلم، القدر، باب حجاج آدم موسى (ح ٢٦٥٢).
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.