مِنَّا﴾ [الأعراف: ١٥٥]، وفيهم من كان اطلع الله منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به، فلذلك رجفت بهم الأرض فقال: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف] فقال: يا رب سألتك التوبة لقومي، فقلت: إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي، هلّا أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحومة؟ فقال له: إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد، فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن، وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون، واطلع الله من ذنوبهم، فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا، وغفر الله للقاتل والمقتول.
ثم سار بهم موسى ﵇ متوجهًا نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمر به أن يبلغهم من الوظائف، فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقرُّوا بها، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون، ينظرون إلى الجبل والكتاب بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون، خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم أمرًا عجيبًا من عظمها، فقالوا: يا موسى إن فيها قومًا جبارين لا طاقة لنا بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون. قال رجلان من الذين يخافون، قيل ليزيد: هكذا قرأه؟ قال: نعم، من الجبارين آمنا بموسى وخرجا إليه فقالوا: نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم، فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، ويقول أناس: إنهم من قوم موسى، فقال الذين يخافون من بني إسرائيل: ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤)﴾ [المائدة] فأغضبوا موسى، فدعا عليهم وسمّاهم فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذٍ، فاستجاب الله له وسمَّاهم كما سمَّاهم موسى فاسقين، وحرَّمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار، وظلَّل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابًا لا تبلَى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرًا مربعًا، وأمر موسى فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها، فلا يرتحلون من منقلة (١) إلا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس.
رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي ﷺ، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس يحدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل، فقال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به، ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك؟ فغضب ابن عباس، فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري، فقال له: يا أبا إسحاق هل تذكر يوم حدثنا رسول الله ﷺ عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال: إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد على ذلك وحضره.