للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أجل معلوم لقضى الله بينهم (١).

ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه كما قال: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] فإنه قد قال في الآية الأخرى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [طه] ثم أخبر أن الكافرين في شك مما جاءهم به الرسول قوي فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾،

ثم أخبر تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم، ويجزيهم بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر فقال: ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)﴾ أي: عليم بأعمالهم جميعها جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها.

وفي هذه الآية قراءات كثيرة يرجع معناه إلى هذا الذي ذكرناه كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢)[يس].

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (١١٣)﴾.

يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد، ونهى عن الطغيان وهو البغي فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك، واعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد لا يغفل عن شيء ولا يخفى عليه شيء.

وقوله: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لا تداهنوا (٢).

وقال العوفي، عن ابن عباس: هو الركون إلى الشرك (٣).

وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم (٤).

وقال ابن جريج، عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا (٥).

وهذا القول حسن، أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم ﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ أي: ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ولا ناصر يخلّصكم من عذابه.

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ قال: يعني الصبح


(١) ذكره الطبري بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن جريج به، وابن جريج لم يلق ابن عباس ، ومعناه صحيح واستحسنه الحافظ ابن كثير.