للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض، وأن المشركين يعبدون الأصنام وهي لا تملك شيئًا لا ضرًا ولا نفعًا، ولا دليل لهم على عبادتها بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم،

ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه، أي: يستريحون فيه من نصبهم وكلامهم وحركاتهم ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ أي: مضيئًا لمعاشهم وسعيهم وأسفارهم ومصالحهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي: يسمعون هذه الحجج والأدلة، فيعتبرون بها ويستدلون على عظمة خالقها ومقدّرها ومسيّرها.

﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)﴾.

يقول تعالى منكرًا على من ادَّعى أن له ولدًا: ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ أي: تقدّس عن ذلك هو الغني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: فكيف يكون له ولد مما خلق وكل شيء مملوك له عبد له؟ ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ أي: ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ إنكار ووعيد أكيد وتهديد شديد كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)[مريم].

ثم توعّد تعالى الكاذبين عليه المفترين ممن زعم أن له ولدًا بأنهم لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة،

فأما في الدنيا فإنهم إذا استدرجهم وأملى لهم متعهم قليلًا ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤] كما قال تعالى ههنا: ﴿مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا﴾ أي: مدة قريبة ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ أي: يوم القيامة ﴿ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ﴾ أي: الموجع المؤلم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ أي: بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله فيما ادعوه من الإفك والزور.

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)﴾.

يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أي: أخبرهم واقصص عليهم، أي: على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك ﴿نَبَأَ نُوحٍ﴾ أي: خبره مع قومه الذين كذبوه كيف أهلكهم الله ودمرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: عَظُم عليكم ﴿مَقَامِي﴾ أي: فيكم بين أظهركم ﴿وَتَذْكِيرِي﴾ إياكم ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ أي: بحججه وبراهينه ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ أي: فإني لا