للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبالي ولا أكفّ عنكم سواء عظم عليكم أولًا ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ أي: فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله من صنم ووثن ﴿ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ أي: ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسًا بل أفصلوا حالكم معي، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فـ ﴿اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ﴾، أي: ولا تؤخروني ساعة واحدة، أي مهما قدرتم فافعلوا، فإني لا أباليكم، ولا أخاف منكم لأنكم لستم على شيء كما قال هود لقومه: ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ الآية [هود].

وقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي: كذبتم وأدبرتم عن الطاعة ﴿فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي: لم أطلب منكم نصحي إياكم شيئًا ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي: وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلام لله ﷿، والإسلام هو دين الأنبياء جميعًا من أولهم إلى آخرهم، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قال ابن عباس: سبيلًا وسنة (١).

فهذا نوح يقول: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٩١] وقال تعالى عن إبراهيم الخليل: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)[البقرة] وقال يوسف: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)[يوسف] وقال موسى: ﴿يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٨٤] وقالت السحرة: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦] وقالت بلقيس: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤] وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١)[المائدة] وقال خاتم الرسل وسيد البشر : ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)[الأنعام] أي: من هذه الأمة، ولهذا قال في الحديث الثابت عنه: "نحن معاشر الأنبياء أولاد علَّات وديننا واحد" (٢). أي: وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت شرائعنا، وذلك معنى قوله: أولاد علَّات، وهم: الإخوة من أمهات شتّى والأب واحد.

وقوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ﴾ أي: على دينه ﴿فِي الْفُلْكِ﴾ وهي السفينة ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ﴾ أي: في الأرض ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أي: يا محمد كيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا المكذبين؟

﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)﴾.

يقول تعالى: ثم بعثنا من بعد نوح ﴿رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: بالحجج والأدلة


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس ما في سورة المائدة آية ٤٨.
(٢) تقدم تخريجه في سورة المائدة آية ٤٨.