للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن حماد الدولابي، حدثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أُم كريز الكعبية سمعت رسول الله يقول: "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات" (١).

وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير ويحيى بن أبي كثير وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح (٢) وغيرهم أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة.

وقيل: المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة (٣). كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)[فصلت].

وفي حديث البراء : أن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب فقالوا: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان، فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء (٤)، وأما بشراهم في الآخرة فكما قال تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)[الأنبياء]، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)[الحديد] وقوله: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ أي: هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

﴿وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)﴾.

يقول تعالى لرسوله : ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ﴾ قول هؤلاء المشركين، واستعن بالله عليهم، وتوكل عليه، فـ ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾، أي: جميعها له ولرسوله وللمؤمنين ﴿هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: السميع لأقوال عباده العليم بأحوالهم.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وصححه محمود شاكر، وأخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة بنحوه (الصحيح، التعبير، باب المبشرات ح ٦٩٩٠).
(٢) قول ابن مسعود أخرجه الطبري من طريق إبراهيم التيمي عنه وصححه محمود شاكر، وقول أبي هريرة تقدم قبل الرواية السابقة في صحيح مسلم، وقول ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عنه (المصنف ٧/ ٢٣٢) والطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول عروة أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق عبدة عنه (المصنف ١١/ ٥٤)، وقول يحيى بن أبي كثير أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر بن راشد عنه، وقول إبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح أخرجه الطبري بأسانيد ضعيفة ويشهد لها ما سبق.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق معمر عن الزهري وقتادة.
(٤) أخرجه الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب مطولًا (المسند ٤/ ٢٨٧)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٣٧)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (ح ١٦٧٢).