للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ يعني: بذلك الكفار، لأنهم موتى القلوب، فشبههم الله بأموات الأجساد، فقال: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ وهذا من باب التهكم بهم والازدراء عليهم.

﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين، أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه، أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون، ومما يتعنتون كما قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] الآيات ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: هو تعالى قادر على ذلك، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك، لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا، لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)[الإسراء: ٥٩] وقال تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤)[الشعراء: ٤].

وقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تُعرف بأسمائها (١).

وقال قتادة: الطير أُمة، والإنس أُمة، والجن أُمة (٢). وقال السدي: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أي: خلق أمثالكم (٣).

وقوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي: الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه وتدبير، سواء كان بريًا أو بحريًا، كقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)[هود] أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)[العنكبوت].

وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها، فسأل عنه فلم يخبر بشيء، فاغتمّ لذلك، فأرسل راكبًا إلى كذا، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل هل رؤي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.