للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته، قفوا حتى ألقى أبا الحكم، فإن غُلب محمد رجعتم سالمين، وإن غَلب محمد، فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئًا - فيومئذٍ سمي الأخنس وكان اسمه أُبيّ - فالتقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس ها هنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا؟ فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ فآيات الله محمد (١).

وقوله: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ هذه تسلية للنبي وتعزية له، فيمن كذبه من قومه، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم النصر في الآخرة، ولهذا قال: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)[الصافات]، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)[المجادلة].

وقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: من خبرهم، كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة.

ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ أي: إن كان شق عليك إعراضهم عنك ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: النفق السرب، فتذهب فيه فتأتيهم بآية، أو تجعل لك سلمًا في السماء، فتصعد فيه فتأتيهم بآية، أفضل مما آتيتهم به فافعل (٢).

وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما (٣).

وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥)﴾ كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ الآية [يونس: ٩٩].

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ قال: إن رسول الله كان يحرص أن يؤمن جميع الناس، ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول (٤).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ أي: إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، كقوله: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠)[يس: ٧٠].


(١) أخرجه الطبري بسند حسن لكنه مرسل ويتقوى بسابقه.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٣) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.