للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: ولكنهم يعاندون الحق، ويدفعونه بصدورهم، كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي، قال: قال أبو جهل للنبي : إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ورواه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة، حدثنا بشر بن المبشر الواسطي، عن سلام بن مسكين، عن أبي يزيد المدني، أن النبي لقي أبا جهل فصافحه، فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابى؟ فقال: والله إني لأعلم إنه لنبي، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعًا؟ وتلا أبو يزيد ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (٢).

وقال أبو صالح وقتادة: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون (٣).

وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل، حين جاء يستمع قراءة النبي من الليل، هو وأبو سفيان صخر بن حرب، والأخنس بن شريق، ولا يشعر أحد منهم بالآخر، فاستمعوها إلى الصباح، فلما هجم الصبح تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال كل منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء به، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم، لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم، ظنًا أن صاحبيه لا يجيئان، لما سبق من العهود، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق، فتلاوموا ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضًا، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد، قال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها، قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه (٤).

وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السدي في قوله: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)﴾ لما كان يوم بدر، قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة إن محمدًا ابن أختكم فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته، فإنه إن كان نبيًا لم


(١) وتعقبه الذهبي بأن ناجية لم يخرجا له شيئًا (المستدرك ٢/ ٣١٥)، ولا يضر لأن ناجية بن كعب: ثقة كما في "التقريب".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده مرسل.
(٣) قول أبي صالح أخرجه الطبري بسند صحيح إلى أبي صالح لكنه مرسل لأن فيه: جاء جبريل إلى النبي . . . وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وسنده صحيح.
(٤) سيرة ابن هشام (١/ ٢٠٧) وسنده مرسل، ويتقوى بلاحقه.