للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة، وعلى الأعمال وعلى الدار الآخرة؛ أي: في أمرها، وقوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ أي: يحملون، وقال قتادة يعملون (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد - الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن [عمرو] (٢) بن قيس، عن أبي مرزوق، قال: يستقبل الكافر أو الفاجر عند خروجه من قبره، كأقبح صورة رآها وأنتنه ريحًا، فيقول من أنت؛ فيقول: أوَ مَا تعرفني، فيقول: لا والله، إلا أن الله قبّح وجهك، وأنتَنَ ريحك، فيقول: أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه، فطالما ركبتني في الدنيا هلم أركبك، فهو قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ الآية (٣).

وقال أسباط، عن السدي أنه قال: ليس من رجل ظالم يدخل قبره، إلا جاءه رجل قبيح الوجه، أسود اللون، منتن الريح، وعليه ثياب دنسة، حتى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال: ما أقبح وجهك؟ قال: كذلك كان عملك قبيحًا، قال: ما أنتن ريحك؟ قال: كذلك كان عملك منتنًا، قال: ما أدنس ثيابك؟ قال: فيقول: إن عملك كان دنسًا، قال له: من أنت؟ قال: عملك، قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات، وأنت اليوم تحملني، قال: فيركب على ظهره، فيسوقه حتى يدخله النار، فذلك قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ (٤).

وقوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أي: إنما غالبها كذلك ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)﴾.

يقول تعالى مسليًا لنبيه ، في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ أي: قد أحطنا علمًا بتكذيبهم لك، وحزنك وتأسفك عليهم، كقوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] كما قال تعالى في الآية الأخرى ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)[الشعراء] ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)[الكهف] وقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ أي: لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) كذا في (حم) و (مح) وتفسير ابن أبي حاتم، وفي الأصل صُحفت إلى: "معمر".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب الإعضال وضعف أبي مرزوق كما في "التقريب" وهو لم يدرك أحدًا من الصحابة.
(٤) أخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدي وسنده حسن لكنه مرسل.