للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا، ليعملوا عملًا صالحًا، ولا يكذبوا بآيات ربهم، ويكونوا من المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: بل ظهر لهم حينئذٍ ما كانوا يخفون في] (١) أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة، وإن أنكروها في الدنيا أو في الآخرة، كما قال قبله بيسير ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ٢٣، ٢٤] ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم، من صدق ما جاءتهم به الرسل في الدنيا، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه، كقوله مخبرًا عن موسى، أنه قال لفرعون ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢]، وقوله تعالى مخبرًا عن فرعون وقومه ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤].

ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين، الذين كانوا يظهرون الإيمان للناس ويبطنون الكفر، ويكون هذا إخبارًا عما يكون يوم القيامة، من كلام طائفة من الكفار، ولا ينافي هذا كون هذه السورة مكية، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة [مكية] (٢)، وهي العنكبوت، فقال: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (١١)[العنكبوت] وعلى هذا فيكون إخبارًا عن قول المنافقين في الدار الآخرة، حين يعاينون العذاب، فظهر لهم حينئذٍ غبُّ ما كانوا يبطنون من الكفر والنفاق والشقاق، والله أعلم.

وأما معنى الإضراب، في قوله: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ فإنهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان، بل خوفًا من العذاب الذي عاينوه، جزاء على ما كانوا عليه من الكفر، فسألوا الرجعة إلى الدنيا، ليتخلصوا مما شاهدوا من النار، ولهذا قال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي: في طلبهم الرجعة، رغبة ومحبة في الإيمان، ثم قال مخبرًا عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، من الكفر والمخالفة.

﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي: في قولهم ﴿يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾،

﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)﴾ أي: لعادوا لما نهوا عنه، ولقالوا: أي: ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ثم لا معاد بعدها، ولهذا قال: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾

ثم قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ أي: أوقفوا بين يديه قال: ﴿قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾؟ أي: أليس هذا المعاد بحق، وليس بباطل كما كنتم تظنون، ﴿قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أي: بما كنتم تكذبون به، فذوقوا اليوم مسه ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥)[الطور].

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٣٢)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن خسارة من كذب بلقائه، وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة، وعن ندامته على ما فرط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعل، ولهذا قال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (حم) و (مح) و (عش).
(٢) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل بياض.