للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاستظهار بل يُجزم به، وتردد الشيخ زروق في الوجوب، فقال: أما الإجزاء فالظاهر أنه لا مانع منه، وأما الوجوب فمحل نظر. انتهى.

قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: والظاهر الوجوب، لقوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وقد مر قول محمد بن الحسن لأنه صلى الله عليه وسلم أمكنه الوصول العادي. والله سبحانه أعلم. ومن غير المستطيع سلطان يخشى من سفره العدو على المسلمين بعده، أو يخشى عليهم من المفسدين من المسلمين أو اختلال الرعية أو ضررا عظيما يلحقه بعزله مثلا لا مجرد العزل فيما يظهر. انتهى.

وفي الشبراخيتي أنه يعتبر في وجوب الحج وجود الماء في كل منهل، قال: وهذا متعذر الآن. بلا مشقة، الباء في قوله: "بإمكان الوصول"، للسببية كما مر، والظاهر في قوله: "بلا مشقة"، أنه حال من "إمكان"، وأن الباء للمصاحبة؛ يعني أن الاستطاعة هي أن يمكنه الوصول إلى مكة من غير مشقة فادحة، ولهذا قال: عظمت؛ يعني أن المشقة المسقطة لوجوب الحج هي المشقة العظيمة أي الفادحة، وهي المشقة الخارجة عن المعتاد في ذلك المحل بالنسبة للشخص، والفادحة من فدحه الدين أي أثقله، واحترز بقوله: "عظمت"، عن مطلق المشقة، فإن السفر لا يخلو عنها، ولذلك رخص فيه للمسافر في القصر والفطر.

وفي الحديث الشريف عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: [السفر قطعة من العذاب] (١)، وهو متفق عليه، وقال سند: المشقة على حسب الأحوال، فما هان تحمله لم يؤثر وما [صعب] (٢) أثر، وإذا فسرنا الاستطاعة بإمكان الوصول كما هو المشهور دخل في ذلك إمكان المسير وأمن الطريق، وإن فسرناها بالزاد والراحلة فهما شرطان زائدان. قاله الحطاب، ومعنى إمكان السير أن يبقى بينه وبين الحج زمان يمكن فيه السير المعتاد، وإذا تعذرت طريق للحج لخوفها أو لعدم مائها مثلا وكانت له طريق أخرى لم يسقط الوجوب عنه وإن كان أبعد، كما لا يسقط الوجوب عمن بعدت داره إلا أن يكون في كلا الطريقين عذر قاطع، وقد مر سقوط فرض الحج عن السلطان يخاف


(١) البخاري، كتاب العمرة، الحديث: ١٨٠٤. مسلم، كتاب الإمارة، الحديث: ١٩٢٧.
(٢) في الأصل: ضعف، والمثبت من الحطاب ج ٣ ص ٢٨٩ ط دار الرضوان.