وبين زمانه وقت واسع كان وجوبه موسعا، ومتى سعى فيه سعى في واجب، وإن مات قبل فوت وقته سقط عنه كما إذا طرأ العذر في وقت أداء الصلاة، فإن لم يخرج إلى الحج حتى فات الحج فقد استقر الوجوب عليه، لكنه إن مات سقط الوجوب عنه بموته عندنا، ولا يلزم ورثته ولا ماله شيء إذا لم يوص بذلك. قال صاحب الطراز: وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وأحمد بن حنبل: إن مات قبل مضي زمن الحج فلا شيء عليه، وإن مات بعده فذلك في رأس ماله. انتهى. ثم أبدل من قوله:"باستطاعة"، قوله: بإمكان الوصول؛ يعني أن الاستطاعة هي أن يمكن الشخص أن يصل إلى مكة -شرفها الله تعالى- راجلا أو راكبا، بشراء أو كراء، وسئل إمامنا مالك رضي الله تعالى عنه عن قوله تعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، أذلك الزاد والراحلة؟ فقال: لا، والله ما ذلك إلا على طاقة الناس، الرجل يجد الزاد والراحلة ولا يقدر على المسير، وآخر يقدر أن يمشي على رجليه ولا صفة في هذا أبين مما قال الله تعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، ورب صغير أجلد من كبير. انتهى.
وقيل: الاستطاعة الزاد والراحلة، وهو قول سحنون وابن حبيب، ودليله ما رواه أبو داود والترمذي [أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطاعة، فقال: هي الزاد والراحلة](١)، وأجيب عنه بأنه فهم عن السائل أنه لا قدرة له إلا بذلك، وقال ابن رشد: وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزاد والراحلة معناه في بعيد الدار، وحكي سند الإجماع على أن من كان دون مسافة القصر لا يعتبر في حقه وجود الراحلة، قال الحطاب: وأما الزاد فلا بد من اعتباره في القريب والبعيد. انتهى. وسيأتي أن الصنعة تقوم مقام الزاد، وقوله: بإمكان الوصول أي إمكانا عاديا لا بطيران ونحوه كما يفيده كلام بعضهم جزما لأنه خلاف ما وقع منه صلى الله عليه وسلم، وأما الإجزاء فلا مانع منه. قاله غير واحد. قوله: لأنه خلاف ما وقع لخ، قال محمد بن الحسن: الظاهر أنه لا دليل في هذا لأنه صلى الله عليه وسلم أمكنه الوصول العادي. انتهى. وقال الأمير: فإن وقع أجزأ قطعا. انتهى. وقال عبد الباقي: أما الإجزاء فلا مانع إذ لا يحتاج الإجزاء
(١) أبو داود، في المراسيل، باب الحج، الحديث: ١٣٨. الترمذي، كتاب الحج، الحديث: ٨١٣. ابن ماجه، كتاب المناسك، الحديث: ٢٨٩٦.