للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له غسله إذا قام إلى الصلاة أو إلى الأكل، فإن لم يفعل فلا شيء عليه، ومن كثر عليه الدم إذا كان من علة دائمة فلا شيء عليه ابتلع منه شيئا أو لم يبتلع. انتهى كلام الحطاب. وإصباح بجنابة؛ يعني أنه يجوز للصائم أن يصبح جنبا، فله أن يتعمد ترك الغسل من الجنابة في رمضان إلى أن يطلع الفجر لقوله جل وعز: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}؛ لأنه إذا أبيح له الجماع في جميع الليلة علم من ذلك أنه يجوز له أن يصبح جنبا، كما هو ظاهر. والله سبحانه أعلم. وهو وإن جاز خلافُ الأولى، وفي خبر الموطإ عن السيدتين أمنا عائشة وأمنا أم سلمة رضي الله تعالى عنهما أنهما، قالتا: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبا من غير احتلام في رمضان ثم يصوم (١))، ونبهتا بقولهما من غير احتلام؛ لأنه من الشيطان، ولا سبيل له عليه عليه الصلاة والسلام. قاله الشيخ إبراهيم.

وقد مر أن مذهب الفضل ابن عباس وأبي هريرة فساد صوم من أصبح جنبا. نقله الحطاب. وصوم دهر؛ يعني أن صوم الدهر جائز، وهل هو الأفضل، أو الأفضل خلافه؟ قال مالك: سرد الصوم أفضل. ابن رشد: معنى كلام مالك أن سرد الصوم أفضل من الصوم والفطر إذا لم يضعف بسببه عن شيء من أعمال البر، وإن ضعف فالصومُ والفطرُ، وذكر البرزلي عن عز الدين بن عبد السلام الشافعي أن صوم الدهر أفضل إن قوي عليه، لقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، ولقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاصي: لا أفضل من ذلك، معناه: لا أفضل لك من ذلك، فإنه قال له: إذا فعلت ذلك نفهت نفسك وغارت عينك، ولأن أكثر الصحابة ما كانوا يسألون عن أفضل الأعمال إلا ليختاروه، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام صيام أخي داوود (٢))، ومحمول على من سأل أيُّ غب الصوم، وتفريقه أفضل، ويجب أن يحمل على ما ذكرت توفيقا بين الأحاديث.


(١) الموطأ، كتاب الصيام، ص ٦٤٤. بلفظ: … جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم.
(٢) مسند أحمد، الحديث: ٢٧٦١. وسنن النسائى الكبرى، الحديث: ٢٦٩٧.