للبلد الذي تقام فيه الجمعة، ومفهوم المصنف أن غير المتوطن فيه تفصيل؛ وهو أن المسافر لا تجب عليه إن لم ينو إقامة تقطع حكم السفر، فإن نواها لم تجب عليه إلا تبعا، كما يأتي إن شاء الله سبحانه.
وقد مر أنها لا تنعقد إلا بالمتوطن، وأن المقيم إقامة تقطع حكم السفر يكون إماما في الجمعة، وإن لم يكن متوطنا بقريتها.
واعلم أن المتوطن ببلد الجمعة تلزمه وإن بعدت داره عن المنار، سمع النداء أم لا، وأما من قريته خارجة عن بلد الجمعة فإنها تلزمه إن كانت قريبة، بل تلزمه وإن كان توطنه بقرية نائية بنون وهمزة بعدها ياء، من النأي؛ وهو البعد. بكفرسخ من المنار؛ يعني أن الجمعة تلزم من كان متوطنا بقرية بعد ما بينها وبين منار المسجد الذي تصلى فيه الجمعة قدر كفرسخ؛ أي ثلاثة أميال. وثلث ميل والمنار هو: السمعة، فإن اتحد النار فالأمر واضح، وإلا فالظاهر كما قال الأمير: اعتبار الأقرب.
وبما قررت علم أن قوله:"بكفرسخ"، متعلق "بنائية"، ولو أبدل قوله:"بقرية"، بمحل لكان أحسن، ليشمل من توطن محلا قريبا من محل الجمعة، وإن لم يكن قرية كبيت شعر ونحوه. قال الخرشي في نقله عن الأجهوري، بعد أن فسر المتوطن هنا بأنه المتوطن بغير بلد الجمعة ما نصه: وأخرج بقوله: "المتوطن" من كان مقيما بكفرسخ من المنار؛ وهو غير متوطن، بأنه لا تلزمه الجمعة. انتهى.
وحاصله أن المقيم بكفرسخ من المنار لا تلزمه الجمعة، لا أمالة ولا تبعا، بخلاف المقيم ببلد الجمعة فتلزمه تبعا، ولا تنعقد الجمعة بالتوطن بكفرسخ من المنار، مع أنها تلزمه تبعا. والله أعلم. وأخرج أيضا من ببلد على أكثر من كفرسخ من المنار، فلا تلزمه الجمعة.
واعلم أن المراعى الشخص لا المسكن، فمن خرج عن مسكنه الداخل لثلاثة أميال فأخذه الوقت خارجها لا تجب عليه، وتجب على من منزلة خارج الثلاثة فأخذه الوقت داخلها، كما قاله الجزولي. وخالفه يوسف بن عمر في الثاني، فقال: لا تجب عليه إلا إن دخل مقيما لا مجتازا. انتهى. قاله الخرشي. وقد تقدم أن من في بلد الجمعة تلزمه ولو كان منزلة أبعد من المنار بأكثر