وفي وجوب قيامه لهما تردد؛ يعني أن الشيوخ اختلفوا في حكم قيام الخطيب إذا كان يخطب، فمنهم من ذهب إلى أن القيام في حال الخطبتين واجب. قاله القاضي أبو بكر. وكذا الجلوس لهما، ونحوه للمازري، وزاد أن ذلك شرط، ومنهم من ذهب إلى أن القيام سنة، فإن خطب جالسا أساء وأجزأت. قاله القاضي عبد الوهاب. أبو الحسن: والذي يقوى عندي أن القيام والجلستين واجبان وجوب السنن فقط.
وقال الشبراخيتي: الأكثر على أن القيام فيهما واجب. كما قاله ابن عرفة. وذهب ابن العربي إلى أن القيام لهما سنة.
ولما أنهى الكلام على شروط الصحة، شرع في الكلام على شروط الوجوب، وهي خمسة، فقال: ولزمت المكلف؛ يعني أنه يشترط في لزوم الجمعة التكليف، فلا تجب على صبي ولا مجنون، وليس ذكره بضروري؛ إذ هو غير خاص بها، بل تركه أولى كما قاله في التوضيح: أنه لا يذكر في شروط الشيء إلا ما يخصه، لكنه ذكره توطئة للأوصاف بعده. قاله الشيخ إبراهيم. وقوله:"ولزمت المكلف"؛ أي عينا بأوصافه الآتية ولو كافرا؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة. الحر؛ يعني أنه يشترط في لزوم الجمعة مع التكليف الحرية، فلا تجب على المكلف إذا كان قنا أو فيه شائبة، ولو أذن السيد فإن حضرها الصبي أو القن أو من فيه شائبة أجزأتهم عن الظهر. الذكر؛ يعني أنه يشترط في لزوم الجمعة مع التكليف والحرية المذكورة، فلا تجب على امرأة، فإن حضرتها أجزأتها إجماعا. قاله الشيخ إبراهيم. بلا عذر؛ يعني أنه يشترط في لزوم الجمعة للمكلف الحر الذكر أن يكون غير ملابس لعذر من الأعذار الآتية، في قوله:"وعذر تركها والجماعة شدة" الخ، فإن تلبس بعذر منها سقط عنه وجوب الجمعة -كما يأتي- والأصل فيما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم (الجمعة واجبة إلا على امرأة، أو صبي، أو مريض، أو عبد، أو مسافر (١)). المتوطن؛ يعني أن الجمعة تلزم: المكلف، الحر، الذكر، غير المعذور إذا كان متوطنا
(١) البيهقي، ج ٣ ص ١٨٣. ولفظه: الجمعة واجبة على كل مسلم إلا على مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض. وفى رواية له: إلا على مريض أو مسافر.