وبكونه الخاطب؛ يعني أنه يشترط في صحة صلاة الجمعة أن يكون الإمام هو الخاطب، قال ابن الحاجب: ومن شروطها أن لا يصلي غير الخاطب إلا لعذر. انتهى. قوله:"وبكونه الخاطب"؛ يعني (لأن ذلك فعله عليه الصلاة والسلام)، وفعل الخلفاء بعده وغيرهم من التابعين إلى عصرنا هذا. قاله الخرشي، وغيره.
وبما قررت علم أن قوله:"وبكونه"، عطف على الشروط السابقة، وقوله:"الخاطب"، خبر الكون. إلا لعذر؛ يعني أن ما مر من اشتراط كون الإمام هو الخاطب محله إن لم يحصل للخاطب عذر، وأما إن حصل له عذر كما إذا: مرض، أو جُنَّ، أو أغمي عليه، أو عجز، أو أحدث، أو رعف مع بعد الماء؛ فإنه يجوز أن يصلي غيره إماما. قاله الشيخ إبراهيم.
وعلم من هذا أنه لا يجتزأ إلا بخطبة البالغ الذكر: وقوله: "إلا لعذر"، فيستخلف من يصلي بهم، فإن لم يستخلف استخلفوا لأنفسهم. قاله الشيخ إبراهيم. وقال الشيخ عبد الباقي عند قوله:"إلا لعذر": فيخطب بالغ حر ذكر مقيم ويصلي غيره، فإن خطب غير بالغ وصلى بطلت. انتهى.
ووجب انتظاره لعذر قرب زواله؛ أي أن الخاطب إذا وقع له عذر يمنع الإمامة بعد الخطبة أو أثناءها، فإن كان العذر يقرب زواله كالحدث فانه يجب انتظاره بالصلاة، قاله ابن كنانة وابن أبي حازم. وقيل: يستخلف عليهم، فإن لم يستخلف، استخلفوا هم ولا ينتظرونه، وهذا القول هو ظاهر المدونة. والقول الأول عزاه ابن يونس لسحنون، وقال بعض: وعزاه سند للجلاب، ورواه ابن حبيب عن مالك، ونحوه في الموازية، وقاله أشهب في المجموعة، وكأن صاحب الطراز جعله تفسيرا للمدونة، وبه جزم ابن كدوف في الوافي، فلذلك صححه المؤلف، فقال: على الأصح، وكلام المدونة هو قوله: فيها، وإذا أحدث الإمام في الخطبة فلا يتمها ولكن يستخلف من شهدها، وكذلك إن أحدث بعد الخطبة أو بعد ما أحرم، فإن مضى ولم يستخلف لم يصلوا أفذاذا واستخلفوا من يتم بهم، وأحب إلي أن يقدموا من شهد الخطبة، فإن لم يشهدها أجزأهم. انتهى.