قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "جامعه": اختَلَف أهل العلم في المشي إلى المسجد، فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى، حتى ذَكَر بعضهم أنه كان يُهَرْوِل إلى الصلاة، ومنهم من كَرِه الإسراع، واختار أن يمشي على تُؤَدة ووَقَار، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقالا: العمل على حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-. وقال إسحاق: إن خاف فوت التكبيرة الأولى، فلا بأس أن يسرع في المشي. انتهى كلام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ورَوَى ابن أبي شيبة في "مصنفه" هذا المعنى -يعني عدم الإسراع مطلقًا- عن عبد اللَّه بن مسعود، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، والزبير بن العوّام، وأبي ذرّ، وعليّ بن الحسين، ومجاهد، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد.
ورَوَى ابن أبي شيبة الهرولة إلى الصلاة عن ابن عمر، والأسود، وسعيد بن جبير، وعن إبراهيم النخعي، قال: رأيت عبد الرحمن بن يزيد مسارعًا إلى الصلاة، وعن ابن عمر أنه سمع الإقامة بالبقيع، فأسرع المشي، وعن ابن مسعود أنه قال: أحقُّ ما سعينا إلى الصلاة.
وقال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ" بعد نقل ما تقدم عن "مصنف ابن أبي شيبة": والظاهر أن من أطلق الإسراع عن ابن عمر وغيره، إنما هو عند خوف فوت تكبيرة الإحرام كما قيّده الترمذيّ، فقد رَوَى ابن أبي شيبة من رواية محمد بن زيد بن خليدة قال: كنت أمشي مع ابن عمر إلى الصلاة، فلو مشت معه نملة، لرأيت أن لا يسبقها.
وحُكِي عن ابن مسعود أيضًا الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى، وحُكي عن مالك أنه إذا خاف فوت الركعة أسرع، وقال: لا بأس لمن كان على فرس أن يُحَرِّك الفرس، قاله القاضي عياض، وتبعه صاحب "المفهم"، وتأوله بعضهم على الفرق بين الراكب والماشي؛ لأنه لا ينهز كما ينهز الماشي.
وحُكي أيضًا عن إسحاف أنه يُسرع إذا خاف فوت الركعة، وهو مخالف لما حكاه الترمذيّ عن إسحاق من تعليق الإسراع بخوف فوات التكبيرة الأولى، ولعله يقول بالإسراع في الموضعين، واللَّه تعالى أعلم. انتهى.