وذَكَر الشافعيّ في كتاب "اختلاف الأحاديث" نحو ما سبق من كلام الأئمة، قال: ذو الشمالين المقتول ببدر غير ذي اليدين، قال البيهقيّ: ذو اليدين بقي حيًّا بعد وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
[فإن قيل]: كيف تكلمَّ ذو اليدين والقوم، وهم بعد في الصلاة؟.
[فجوابه]: من وجهين:
أحدهما: أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في صلاة؛ لأنهم كانوا مُجَوِّزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال:"أَقُصِرت الصلاة أم نسيت؟ ".
والثاني: أن هذا خطاب وجواب للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك لا يبطل الصلاة.
وفي رواية لأبي داود وغيره: أن القوم لم يتكلموا، وتحمل رواية "نعم" عليها. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح المهذّب"، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق من ذكر المذاهب، وأدلّتها أن الراجح؛ لقوّة أدلّته، هو ما ذهب إليه الجمهور، من أن من تكلّم ناسيًا، أو جاهلًا لم تبطل صلاته، وأما من تكلّم عامدًا، وهو يَعلم بتحريم الكلام في الصلاة، فقد بطلت صلاته، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: (اعلم): أن من سبَّح اللَّه تعالى، أو حَمِده في غير ركوع وسجود، لا تبطل صلاته، سواءٌ قصد به تنبيه غيره أم لا، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهو مذهب الشافعيّ، وبه قال جمهور العلماء، حكاه ابن المنذر عن الأوزاعيّ، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، قال: وقال أبو حنيفة: إن قاله ابتداءً فليس بكلام، وإن قاله جوابًا فهو كلام.
قال: دليلنا حديث سهل بن سعد، وهو في "الصحيحين"، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا نابكم شيء في الصلاة، فليُسبّح الرجال، وليُصفِّح النساء". انتهى. وهو بحثٌ نفيس، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة الخامسة): في الكلام على قول الجارية: "في السماء"، ومثله قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، وقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتّفق عليه:"ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا. . . " الحديث.