[الثالث]: أن يتكلم ناسيًا، ولا يطول كلامه، فمذهبنا أن لا تبطل صلاته، وبه قال جمهور العلماء، منهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس، وعروة بن الزبير، وعطاء، والحسن البصريّ، والشعبيّ، وقتادة، وجميع المحدثين، ومالك، والأوزاعيّ، وأحمد في رواية، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم -رضي اللَّه عنهم-.
وقال النخعيّ، وحماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة، وأحمد في رواية: تبطل، ووافقنا أبو حنيفة في أن سلام الناسي لا يبطلها.
واحتُجَّ لمن قال: تَبْطُلُ بحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال:"كنا نسلِّم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في الصلاة، فيردّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشيّ سلمت عليه، فلم يرُدّ عليّ، فقلت: يا رسول اللَّه، كنا نسلِّم عليك في الصلاة، فترُدّ علينا، فقال: "إن في الصلاة شغلًا"، متّفقٌ عليه، وفي رواية أبي داود وغيره زيادة: "وإن اللَّه يُحْدِث من أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث أن لا تَكَلَّموا في الصلاة".
وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة، فانطلقتُ، ثم رجحت، فأتيت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسلمت عليه، فلم يرُدّ عليّ، فوقع في قلبي ما اللَّه أعلم به، ثم سلمت، فلم يردّ عليّ، فوقع في قلبي أشدّ من المرة الأولى، ثم سلمت عليه، فقال: "إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي"، وكان على راحلته متوجهًا إلى غير القبلة. متّفقٌ عليه.
وعن زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه- قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكَلِّم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨)} [البقرة: ٢٣٨]، فأمرنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام"، متفق عليه، وليس في رواية البخاريّ: "ونُهينا عن الكلام"، وفي رواية الترمذيّ: "كنا نتكلم خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-".
وبحديث معاوية بن الحكم -رضي اللَّه عنه-: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"، رواه مسلم، يعني المذكور في هذا الباب.
وبحديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "الكلام ينقض الصلاة، ولا ينقض الوضوء"، ولكنه ضعيف.