للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في الغسل والمسح أيهما أفضل؟:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه اللهُ: اختَلَف أهلُ العلم في الغسل والمسح، أيُّ ذلك أفضل؟.

فقالت طائفة: الغسل أفضل؛ لأنه المفتَرَض في كتاب الله، والمسح رخصة، فالغاسل لرجليه مُؤَدٍّ لما افترض الله عليه، والماسح على خفيه فاعل لما أبيح له.

رَوَينا عن عمر بن الخطاب أنه أمرهم أن يمسحوا على خفافهم، وخَلَع هو خفيه، وتوضأ، وقال: إنما خلعت لأنه حُبِّب إليّ الطهور، وكان أبو أيوب يأمر بالمسح على الخفين، ويغسل قدميه، ويقول: أحب إلي الوضوء، ورَوَينا عن ابن عمر أنه قال: إني لَمُولَعٌ بغسل قدميَّ، فلا تقتدوا بي.

وقالت طائفة: المسح على الخفين أفضل من غسل الرجلين، وذلك لأنها من السنن الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد طَعَن فيها طوائف من أهل البدع، فكان إحياء ما طَعَن فيه المخالفون من السنن أفضل من إماتته.

وقد احتَجَّ بعضُهم بالذي رُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله يحب أن يُقبَل رخصه" (١)، وتقول عائشة: "ما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين، إلا اختار أيسرهما"، متّفقٌ عليه.

وممن رأى أن المسح على الخفين أفضل من غسل الرجلين: الشعبيّ، والحكم، وأحمد، وإسحاق، وكان ابن أبي ليلى والنعمان يقولان: إنا لنريد الوضوء، فنلبس الخفين حتى نمسح عليهما، ورَوَينا عن النخعيّ أنه قال: مَن رَغِب عن المسح على الخفين، فقد رغب عن سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد شَبَّهَ بعض أهل العلم مَن لبس خفيه على طهارة وأحدث بالحانث في يمينه، قال: فلما كان الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، ويكون مؤديًا للفرض الذي عليه، فكذلك الذي أحدث، وقد لبس خفيه على طهارة، إن مَسَحَ، أو خَلَعَ خفيه، فغَسَلَ رجليه مؤدٍّ ما فُرِض عليه، مُخَيَّر في ذلك، ولا يجوز لمن


(١) حديث صحيح، رواه أحمد في "مسنده" بسند صحيح برقم (٥٦٠٠).