وقد رُوِيَ عن مالك رحمه الله روايات فيه، والمشهور من مذهبه كمذهب الجماهير.
وقد رَوَى المسح على الخفين خلائق لا يُحْصَون من الصحابة، قال الحسن البصريّ رحمه اللهُ: حَدَّثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين. انتهى كلام النوويّ رحمه اللهُ (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما سبق من الأدلّة، وأقوال الأئمة المحقّقين أن المسح على الخفّين جائز، وقد تقدّم عن ابن المبارك رحمه الله أنه قال: ليس في المسح على الخفّين عن الصحابة اختلاف؛ لأن كلّ من رُوي عنه منهم إنكاره، فقد رُوي عنه إثباته، وقال ابن عبد البرّ: لا أعلم أحدًا من فقهاء السلف من رُوي عنه إنكاره، إلا عن مالك، مع أن الروايات الصحيحة مصرّحة بإثباته، وقال في "الفتح": وقد صرّح جمع من الحفّاظ بأن المسح على الخفّين متواتر، وجمع بعضهم رواته، فجازوا الثمانين، منهم العشرة، وقال الإمام أحمد: فيه أربعون حديثًا عن الصحابة مرفوعةٌ، وقال ابن أبي حاتم: فيه عن أحد وأربعين.
وقال ابن عبد البرّ رحمه الله في "الاستذكار": روى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفّين نحو أربعين من الصحابة، وذكر أبو القاسم ابن منده أسماء من رواه في "تذكرته"، فكانوا ثمانين صحابيًّا، وذكر الترمذيّ، والبيهقيّ في "سننهما" منهم جماعةً، قال ابن عبد البرّ: وما رُوي عن عائشة، وابن عبّاس، وأبي هريرة في إنكار المسح لا يَثْبُت.
والحاصل أنه ما أنكر المسح على الخفّين إلا أهل البدع من الرافضة، والخوارج، ولا التفات إلى مخالفتهم، فأهل السنّة والجماعة، مجمعون على جوازه، فتمسّك بهديهم، واسلك سبيلهم، فإنهم أهل الصدق والوفاء، ولا يخالفهم إلا أهل الزيغ والجفاء، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} [التوبة: ١١٩]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.