للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(إِلَّا فُتِحَتْ) بالبناء للمفعول، وتخفيف التاء، وتشديدها للمبالغة، وعبَّرَ عن المستقبل بالماضي؛ لتحقّق وقوعه، والمراد تُفتح له يوم القيامة، فهو من باب قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّور} الآية [الكهف: ٩٩].

(لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ) برفع "أبوابُ" على أنه نائب الفاعل، ولفظ النسائيّ: "ثمانية أبواب الجنّة" بالإضافة، وهو من إضافة الصفة للموصوف؛ أي أبواب الجنة الثمانية، وفُتحت له الأبواب الثمانية، وإن كان الدخول يكفي فيه باب واحدٌ؛ تعظيمًا للعبد بسبب عظمة عمله المذكور، فهو كما روي أن الله - عز وجل - أخذ الميثاق على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إن أدركوه (١)، ومعلوم أنه لا يظهر في زمان أحد منهم، وإنما ذلك لإظهار شرفه - صلى الله عليه وسلم - لهم (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: فتح أبواب الجنة محمول على ظاهره وحقيقته، وذكر بعضهم احتمال أن يكون مجازًا عن التوفيق للطاعات في الدنيا، فإنها سبب في فتح أبواب الجنّة في الآخرة (٣)، والصواب ما قدّمته، وأما الاحتمال المذكور فيُبعده قوله: "يدخُلُ من أيها شاء"، فتأمل، والله تعالى أعلم.

(يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا) أي من أي تلك الأبواب الثمانية (شَاءَ") أي أراد الدخول فيه، يعني أنه يدخل من أيّ باب اختار الدخول منه، ولكن الظاهر أنه لا يختار إلا الذي يغلب عليه عمله؛ إذ أبواب الجنّة مُعدّة لأعمال مخصوصة، ويؤيّد ذلك ما أخرجه الشيخان، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الرَّيّان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة"، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على مَن دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل


(١) روي ذلك عن عليّ، وابن عبّاس - رضي الله عنهم -، راجع "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٠٠ - ١٠١.
(٢) راجع "المنهل" ٢/ ١٥٨.
(٣) راجع "المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود" ٢/ ١٥٨.