للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولا لفظ "معبود" بدون تقييده بـ "حقّ"، كما قدّره بعض الشرّاح؛ لأن ذلك باطلٌ، يكذبه الواقع، حيث إن غير الله له وجود أيضًا، وقد عُبد غير الله تعالى، وإنما الصواب أن يُقدّر: لا معبود بحقّ، كما قال - عز وجل -: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)} [الحج: ٦٢]، وقد أثبت الله تعالى عبادة غيره في غير ما آية، كهذه، وآية: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} الآية [يونس: ١٨]، وغيرها من الآيات الكثيرة.

و"إلا" مُلغاة، ولفظ الجلالة مرفوع على البدليّة من الضمير في الخبر، وقيل: غير ذلك، وقد ذكرت في "شرح النسائيّ" في إعراب "لا إله إلا الله" فوائد نفيسة، فراجعها تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(وَأَنَّ مُحَمَّدًا) - صلى الله عليه وسلم - هو في الأصل اسم مفعول من حُمِّد مبالغة في الثناء، وهو علمٌ وصفةٌ اجتمعا في حقّه - صلى الله عليه وسلم -، وأما في غيره فهو علم محضٌ، منقول من الوصفيّة إلى الاسميّة، وهكذا شأن أسماء النبيّ - صلي الله عليه وسلم -، وأسماء الله تعالى، وأسماء كتابه، فهي أعلام دالّة على معان سامية، هي أوصاف مدح، وسماه به جدّه عبد المطّلب، وقال: رجوت أن يُحمد في السماء والأرض، وقد حقّق الله - عز وجل - رجاءه. وقد ذكرت في "شرح النسائيّ" أيضًا تحقيقات تتعلّق بهذا الاسم، فراجعها تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(عَبْدُ اللهِ) وصفه بالعبوديّة التي هي غاية التذلّل والخضوع؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أتقى الخلق على الإطلاق، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أتقاكم، وأعلمكم بالله أنا"، فلم يبلغ أحدٌ مبلغه - صلى الله عليه وسلم - من التذلّل والخضوع لمولاه - عز وجل -، والإضافة فيه للتشريف، إشارةً إلى كمال مرتبته في مقام العبوديّة، والقيام في أداء حقوق الربوبيّة، ووصفه بها لئلا يتوهّم ضعفاء العقول فيه ما لا يليق بمقامه من التأليه كما ضلّت النصارى بذلك في عيسى - عليه السلام -، وقدّمه على قوله: (وَرَسُولُهُ) لأنه أشرف أوصافه، وأعلاها، ولذلك وصفه الله تعالى به في أرفع المقام، وأسماها، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١].