للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال في "الفتح": المراد بالشهر الحرام الجنس، فيشمل الأربعة الحرم، ويؤيده روايةُ: "إلا في أشهر الحرم"، وروايةُ: "إلا في كل شهر حرام"، وقيل: اللام للعهد، والمراد شهر رجب، وفي رواية للبيهقيّ التصريح به، وكانت مُضَرُ تبالغ في تعظيم شهر رجب، فلهذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - حيث قال: "رجبُ مضر"، كما سيأتي، والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم، مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى، إلا أنهم ربما أنسأوها بخلافه.

وفيه دليلٌ على تقدّم إسلام عبد القيس على قبائل مُضَر الذين كانوا بينهم وبين المدينة، وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين، وما والاها من أطراف العراق، ولهذا قالوا كما في رواية شعبة: "إنا نأتيك من شُقّة بعيدة"، قال ابن قتيبة: الشُّقّة: السفرُ، وقال الزجاج: هي الغاية التي تُقْصَد، ويدل على سبقهم إلى الإسلام أيضًا ما رواه البخاريّ في "كتاب الجمعة" من طريق أبي جمرة أيضًا، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "إنّ أوّلَ جمعة جُمِّعَت بعد جمعةٍ في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد عبد القيسِ بِجُوَاثَى من البحرين"، و"جُوَاثَى" بضم الجيم، وبعد الألف مثلثة مفتوحة، وهي قرية شهيرة لهم، وإنما جَمَّعُوا بعد رجوع وفدهم إليهم، فَدَلَّ على أنهم سَبَقُوا جميع القرى إلى الإسلام، انتهى (١).

[تنبيه]: الأشهر الحُرُم هي: ذو الْقَعْدَة، وذو الْحِجَّة، والمحرَّم، ورجب، هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء، من أصحاب الفنون، ولكن اختلفوا في الأدب المستحسن في كيفية عَدِّها على قولين، حكاهما الإمام أبو جعفر النّحّاس في كتابه "صناعة الكتاب"، قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال: المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، قال: والْكُتّابُ يَمِيلون إلى هذا القول؛ ليأتوا بهن من سنة واحدة، قال: وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، وقومٌ ينكرون هذا، ويقولون: جاؤوا بهنّ من سنتين، قال أبو جعفر: وهذا غلط بَيِّنٌ، وجهل باللغة؛ لأنه قد عُلِم المراد، وأن المقصود ذكرها، وأنها في كل سنة، فكيف يُتَوَهَّم أنها من سنتين، قال:


(١) "الفتح" ١/ ١٦٠.