للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(وَقَدْ حَالَتْ) أي منعت، يقال: حال النهر بيننا حَيْلُولةً: حَجَزَ، ومنع الاتّصال (١) (بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ) بضم الميم، وفتح الضاد المعجمة، غير منصرف، وهو مُضَر بن نزار بن مَعَدّ بن عبدنان، ويقال له مضر الحمراء، ولأخيه ربيعة الفَرَس؛ لأنهما لَمّا اقتسما الميراث أُعطي مُضَرُ الذهب، وربيعة الخيل، وكُفّار مضر كانوا بين ربيعة والمدينة، ولا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم، وكانوا يخافون منهم إلا في الأشهر الْحُرُم؛ لامتناعهم من القتال فيها (فَلَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ) بضمّ اللام مضارع خَلَص إلى الشيء خُلُوصًا، من باب قَعَد: إذا وصل إليه، ومعنى كلامهم أنا لا نَقْدِر على الوصول إليك؛ خوفًا من أعدائنا الكفار، إلا في الشهر الحرام، فإنهم لا يتعرضون لنا، كما كانت عادة العرب، من تعظيم الأشهر الْحُرم، وامتناعهم من القتال فيها، وقوله: (إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ) كذا هو في الأصول كلها بإضافة "شهر" إلى "الحرام"، وفي الرواية الأخرى: "أشهر الحرم"، والقول فيه كالقول في نظائره، من قولهم: "مسجد الجامع"، و"صلاة الأولى"، ومنه قول الله تعالى: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: ٤٤]، وقوله: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} [يوسف: ١٠٩].

فعلى مذهب النحويين الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته، وهو جائز عندهم، وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة؛ لأنه يكون من إضافة الشيء إلى نفسه؛ لاتحاد المضاف والمضاف إليه في المعنى، وفائدة الإضافة أن يتعرّف المضاف بالمضاف إليه، أو يتخصّص، ولا يتعرّف الشيء، ولا يتخصّص بنفسه، فما ورد من ذلك، كالأمثلة المذكورة مؤوّلٌ عندهم على حذف في الكلام؛ للعلم به، فتقديره "شهر الوقت الحرام"، و"أشهر الأوقات الْحُرُم"، و"مسجد المكان الجامع"، و"دار الحياة الآخرة"، و"جانب المكان الغربيّ"، ونحو ذلك، وإلى مذهبهم أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:

وَلَا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ … مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ

ثم إن قولهم: "شهر الحرام" المراد به جنس الأشهر الْحُرُم، وهي أربعة أشهر حُرُم، كما نَصَّ عليه القرآن العزيز، وتدل عليه الرواية الأخرى بعد هذه: "إلا في أشهر الحرُم"، قاله النوويّ.


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٥٧.