للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أبدًا"، ثم رَمَى بهما، وقال: "فرغ ربكم من العباد، فريق في الجَنَّة، وفريق في السعير" قال الترمذيّ (١): هذا حديث حسن صحيح.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة، يفيد مجموعها العلم القطعيّ، واليقين الحقيقيّ الاضطراريّ بإبطال مذاهب القدرية، لكنهم كابروا في ذلك كلّه، وردّوه، وتأوّلوا ذلك تأويلًا فاسدًا، وموّهوه للأصول التي ارتكبوها من التحسين، والتقبيح، والتعديل، والتجويز، والقول بتأثير القدرة الحادثه على جهة الاستقلال، وقد تكلّم أئمة أهل السُّنَّة معهم في هذه الأصول، وبيّنوا فسادها في كتبهم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقوله: (أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقلَامُ) بدل من قوله: "فيما العمل؟ "، كما قال في "الخلاصة":

وَبَدَلُ الْمُضَمَّنِ الْهَمْزَ يَلِي … هَمْزًا كَـ "مَنْ ذَا أَسَعِيدٌ أَمْ عَلِي"

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "جفّت به الأقلام أي: نفذت به المقادر، وكتبته في اللوح المحفوظ، كما تقدم كتابه مما عهدناه، وفُرغ منه، فيبقى القلم بعد الذي كتب به جافًّا، لا مداد فيه؛ لتمام ما كُتب به، وكتابة الله، وقلمه، ولوحُهُ من غَيب عِلْمِه، نؤمن به، ونَكِلُ صفة علم ذلك إلى الله تعالى. انتهى (٣).

(وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟) بفتح النون أوله، وفي بعض النسخ: "يُسْتَقْبل" بالياء، وعليه فهو مبنيّ للمفعول. (قَالَ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ("لَا)؛ أي: ليس العمل فيما يُستقبل، (بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ"، قَالَ) سُراقة -رضي الله عنه-: (فَفِيمَ الْعَمَلُ؟) قال القرطبيّ: هذا السؤال هو الأوّل الذي تضمّنه قوله: "أفلا نمكث على كتابنا، ونَدَعُ العمل؟ "، وقد بيّناه.

(قَالَ زُهَيْرٌ) بن معاوية الراوي عن أبي الزبير (ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ لَمْ أفهَمْهُ) إما لِبُعده، أو لتشويش بعض الحاضرين عليه، (فَسَأَلْتُ) بعض


(١) رواه الترمذيّ برقم (٢١٤١).
(٢) "المفهم" ٦/ ٦٦٠ - ٦٦١.
(٣) "مشارق الأنوار" ١/ ١٥٩.