للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الأبيّ، والقرطبيّ بلفظ: "فيم العمل اليوم؟ " بحذف ألف "ما"، وهذا هو الجاري على القاعدة الأغلبيّة، كما قال في "الخلاصة":

وَ"مَا" فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ … أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ

وقال القرطبيّ: قوله: "فيم العمل؟ " هكذا صحيح الرواية "فيم" الأول (١) بغير ألف؛ لأنَّها استفهامية، والثانية بألف؛ لأنَّها خبرية، وقد وقع في بعض النسخ بالعكس، والأول الصواب. ومقتضى هذا السؤال: أن ما يصدر عنا من الأعمال، وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، هل سبق علم الله تعالى بوقوعه، فنفذت به مشيئته، أو ليس كذلك؟ وإنما أفعالنا صادرة عنا بقدرتنا ومشيئتنا، والثواب والعقاب مرَتَّب عليها بحَسَبها، وهذا القسم الثاني هو مذهب القدرية، وقد أبطل النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا القِسْم بقوله: "لا، بل فيما جَفّت به الأقلام، وجَرَت به المقادير"؛ أي: ليس الأمر مستأنفًا، بل قد سبق به علم الله، ونفذت به مشيئته، وجفّت به أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ، وفي صحف الملائكة المكتوبة في البطن، بل قد نصّ على هذا في حديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما- المذكور بعد هذا، وأنصّ من هذا كلّه ما خرّجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي يده كتابان، فقال للّذي في يده اليمنى: "هذا كتاب من ربِّ العالمين، فيه أسماء أهل الجَنَّة، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، ثم أُجمل (٢) على آخرهم، فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدًا"، ثم قال للذي في يده اليسرى: "هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم، وقبائلهم، ثم أُجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم


(١) أراد بالأول: "ما" من قوله: "فيم العمل"، وأراد بالثانية: "ما" التي في قوله: "فيما جفّت إلخ"، وغرضه أن "ما" الأُولى استفهاميّة، فحقّها أن تُحذف ألفها، وأما "ما" التي في قوله: "فيما جفّت إلخ" الصواب إثبات ألفها؛ لأنَّها خبريّة، أو موصولة، فلا تُحذف ألِفها. هذا هو مراد القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، لكن نقل الأبيّ كلام القرطبيّ هذا، وفَهِمه على غير وجهه، فأفسده، فانظر كلامه في "شرحه" ٧/ ٨٢ - ٨٣.
(٢) يقال: "أجملت الحساب": إذا جمعت آحاده، وكملت أفراده؛ أي: أُحصوا وجُمعوا.