للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر، وليست بموجبات، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- طَوَى علم الغيب عن خَلْقه، وحجبهم عن دَرْكه، كما أخفى عنهم أمر الساعة، فلا يَعلَم أحد متى إِبّانُ قيامها، ثم أخبر على لسان رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعض أماراتها وأشراطها، فقال: "من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، ومنها كيت وكيت. انتهى كلام الخطابيّ ببعض تصرّف (١).

وقال غيره: وجه الانفصال عن شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل، فوجب علينا الامتثال، وغيّب عنّا المقاديرَ لقيام الحجة، ونَصَبَ الأعمالَ علامةً على ما سبق في مشيئته، فمن عَدَلَ عنه ضَلَّ وتاه؛ لأن القدر سر من أسرار الله، لا يَطَّلِع عليه إلا هو، فإذا أدخل أهل الجَنَّة، كشف لهم عنه حينئذ (٢). والله أعلم.

٨ - (ومنها): أن فيه مشروعيّة أخذ المخصرة، وجواز التنكيت بها في الأرض، أو في الماء، أو نحو ذلك، وليس ذلك من العبث المذموم، قال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه": "باب مَن نَكَتَ العودَ في الماء والطين"، ثم أورد حديث الباب محتجًّا على ما ترجم له، قال ابن بطال في "شرحه": من عادة العرب إمساك العصا، والاعتماد عليها عند الكلام وغيره، وقد عاب ذلك عليهم بعض من يتعصب للعجم، وفي استعمال النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له الحجة المبالغة، وكأن المراد بالعود هنا: المخصرة التي كان النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوكأ عليها، وليس مصرّحًا به في هذا الحديث.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: قلت: وفقه الترجمة أن ذلك لا يُعدّ من العبث المذموم؛ لأنَّ ذلك إنما يقع من العاقل عند التفكر في الشيء، ثم لا يستعمله فيما لا يضرّ تأثيره فيه، بخلاف من يتفكر وفي يده سكين، فيستعملها في خشبة تكون في البناء الذي فيها إفسادًا، فذاك هو العبث المذموم. انتهى، والله تعالى أعلم.

٩ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال العلماء: ثبت بهذه الآية


(١) راجع: "معالم السنن" ٨/ ٦٢ - ٦٣.
(٢) راجع: "الفتح" ١١/ ٦٠٦.