للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فقد بَيَّن أن كل قضائه في عبده عدلٌ، ولهذا يقال: كل نعمة منه فضلٌ، وكل نقمة منه عدلٌ، ويقال: أطعتك بفضلك، والمنّة لك، وعصيتك بعلمك، أو بِعَدْلك، والحجة لك، فأسالك بوجوب حجتك عليّ، وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي.

وهذه المناظرة من إياس كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن لغيلان حين قال له غيلان: نشدتك الله، أترى الله يحبّ أن يُعْصَى؟ فقال: نشدتك الله، أترى الله يُعْصَى قسرًا؛ يعني: قهرًا، فكأنما ألقمه حجرًا، فإن قوله: يحب أن يُعْصَى لفظ فيه إجمال، وقد لا يتأتى في المناظرة تفسير المُجمَلات؛ خوفًا من لَدَد الخصم، فيؤتى بالواضحات، فقال: أفتراه يُعْصَى قسرًا؟ فإن هذا إلزام له بالعجز الذي هو لازم للقدَرية، ولمن هو شرّ منهم من الدهريّة الفلاسفة، وغيرهم.

وكذلك إياس رأى أن هذا الجواب المطابق لحدّهم خاصم لهم، ولم يدخل معهم في التفصيل الذي يطول.

وبالجملة فقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} [طه: ١١٢] قال أهل التفسير من السلف: لا يخاف أن يُظْلَم، فيَحْمِل عليه سيئات غيره، ولا يُهْضَم، فيُنقص من حسناته، ولا يجوز أن يكون هذا الظلم هو شيء ممتنَع غير مقدور عليه، فيكون التقدير: لا يخاف ما هو ممتنع لذاته، خارج عن الممكنات، والمقدورات، فإن مثل هذا إذا لم يكن وجوده ممكنًا، حتى يقولوا: إنه غير مقدور، ولو أراد؛ كخلق المِثْل له، فكيف يُعقل وجوده فضلًا أن يُتصور خوفه، حتى يُنفَى خوفه؟ ثم أيّ فائدة في نفي خوف هذا؟ وقد عُلم من سياق الكلام أن المقصود بيان أن هذا العامل المحسن لا يُجزَى على إحسانه بالظلم والهضم، فعُلم أن الظلم والهضم المنفيّ يتعلق بالجزاء، كما ذكره أهل التفسير، وإن الله لا يجزيه إلا بعمله، ولهذا كان الصواب الذي دلّت عليه النصوص أن الله لا يعذِّب في الآخرة إلا من أذنب، كما قال: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)} [ص: ٨٥]، فلو دخلها أحد من غير أتباعه لم تمتلئ منهم، ولهذا ثبت في "الصحيحين" في حديث: تحاجّ الجنة والنار، من حديث أبي هريرة وأنس: أن النار لا تمتلئ ممن كان