للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكذلك ظنوا أن التعذيب لمن كان فِعله مقدَّرًا ظُلم له، ولم يفرقوا بين التعذيب لمن قام به سبب استحقاق ذلك، ومن لم يقم، وإن كان ذلك الاستحقاق خَلَقه لحكمة أخرى عامّة، أو خاصة.

وهذا الموضع زلّت فيه أقدام، وضلّت فيه أفهام، فعارض هؤلاء آخرون من أهل الكلام المُثْبتين للقَدَر، فقالوا: ليس للظلم منه حقيقة يمكن وجودها، بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها، فلا يجوز أن يكون مقدورًا، ولا أن يقال: إنه هو تارك له باختياره، ومشيئته، وإنما هو من باب الجمع بين الضدين، وجَعْل الجسم الواحد في مكانين، وقَلْب القديم مُحْدَثًا، والمحدَث قديمًا، وإلا فمهما قُدِّر في الذهن، وكان وجوده ممكنًا، والله قادر عليه، فليس بظلم منه، سواء فَعَله، أو لم يفعله.

وتلقى هذا القول عن هؤلاء طوائف من أهل الإثبات من الفقهاء، وأهل الحديث، من أصحاب مالك، والشافعيّ، وأحمد، وغيرهم، ومن شرّاح الحديث، ونحوهم، وفَسَّروا هذا الحديث بما ينبني على هذا القول، وربما تعلقوا بظاهر من أقوال مأثورة، كما روينا عن إياس بن معاوية أنه قال: ما ناظرت بعقلي كله أحدًا إلا القَدَرية، قلت لهم: ما الظلم؟ قالوا: أن تأخذ ما ليس لك، أو أن تتصرف فيما ليس لك، قلت: فلِلَّه كل شيء، وليس هذا من إياس إلا ليبيّن أن التصرفات الواقعة هي في مُلكه، فلا يكون ظلمًا بموجب حدّهم، وهذا مما لا نزاع بين أهل الإثبات فيه، فإنهم متفقون مع أهل الإيمان بالقَدَر على أن كل ما فَعَله الله فهو عدلٌ.

وفي حديث الكرب الذي رواه الإمام أحمد، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أصاب عبدًا قطّ هَمٌّ، ولا حزنٌ، فقال: اللَّهُمَّ إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فِيّ حكمك، عَدْل فِيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزْني، وذهاب همّي وغمّي، إلا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحًا، قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهنّ؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلمهنّ".