للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فأجاب - رحمه الله -:

الحمد لله ربّ العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما قوله تعالى: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي" ففيه مسألتان كبيرتان، كل منهما ذات شُعَب وفروع:

إحداهما: في الظلم الذي حرّمه الله على نفسه، ونفاه عن نفسه بقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} [الزخرف: ٧٦]، وقوله: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩]، وقوله {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: ٤٠]، وقوله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: ٧٧]، ونفى إرادته بقوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ١٠٨]، ونفى خوف العباد له بقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} [طه: ١١٢].

فإن الناس تنازعوا في معنى هذا الظلم تنازعًا صاروا فيه بين طرفين، متباعدين، ووَسَط بينهما، وخيار الأمور أوساطها، وذلك بسبب البحث في القَدَر، ومجامعته للشرع؛ إذ الخوض في ذلك بغير علم تامّ أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عن التنازع فيه.

فذهب المكذّبون بالقدر، القائلون بأن الله لم يخلق أفعال العباد، ولم يُرِد أن يكون إلا ما أمر بأن يكون، وغُلَاتهم المكذبون بتقدّم علم الله، وكتابه بما سيكون من أفعال العباد، من المعتزلة وغيرهم إلى أن الظلم منه هو نظير الظلم من الآدميين، بعضهم لبعض، وشبّهوه ومثّلوه في الأفعال بأفعال العباد، حتى كانوا هم ممثّلة الأفعال، وضربوا لله الأمثال، ولم يجعلوا له المَثَل الأعلى، بل أوجبوا عليه، وحرّموا ما رأوا أنه يجب على العباد، ويحرم بقياسه على العباد، وإثبات الحكم في الأصل بالرأي، وقالوا عن هذا: إذا أمَر العبدَ، ولم يُعِنْه بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة، كان ظالِمًا له، والتزموا أنه لا يقدر أن يهدي ضالًّا، كما قالوا: إنه لا يقدر أن يُضلّ مهتديًا، وقالوا عن هذا: إذا أمر اثنين بأمر واحد، وخصّ أحدهما بإعانته على فعل المأمور، كان ظالِمًا، إلى أمثال ذلك من الأمور التي هي من باب الفضل والإحسان، جعلوا تَرْكه لها ظلمًا.