للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

محسنًا ندم على أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون استعتب".

وقيل لمسروق: لو قصرت عن بعض ما تصنع من الاجتهاد، فقال: والله لو أتاني آت، فأخبرني أن لا يعذبني، لاجتهدت في العبادة، قيل: كيف ذاك؟ قال: حتى تعذرني نفسي إن دخلت النار أن لا ألومها، أما بلغك في قول الله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢)} [القيامة: ٢] إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنم، فاعتنقتهم الزبانية، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وانقطعت عنهم الأماني، ورُفعت عنهم الرحمة، وأقبل كل امرئ منهم يلوم نفسه.

وكان عامر بن عبد قيس يقول: والله لأجتهدنّ، ثم والله لأجتهدنّ، فإن نجوت فبرحمة الله، وإلا لم أَلُمْ نفسي.

وكان زياد بن عياش يقول لابن المنكدر، ولصفوان بن سليم: الجَدّ الجدّ، والحَذَر الحذر، فإن يكن الأمر على ما نرجو، كان ما عملتما فضلًا، وإلا لم تلوما أنفسكما.

وكان مطرف بن عبد الله يقول: اجتهدوا في العمل، فإن يكن الأمر ما نرجو من رحمة الله وعفوه، كانت لنا درجات، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحذر، لم نقل: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: ٣٧] نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك. انتهى ما كتبه الحافظ ابن رجب - رحمه الله - على هذا الحديث الشريف (١)، وهو بحث نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيس، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): في ذِكر رسالة شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - في شرح هذا الحديث، فقد شرحه شرحًا مطوّلًا، فأجاد، وأفاد، أحببت إيراده هنا؛ لأن كتابي موضوع لاستيفاء المسائل حسب الاستطاعة، فلا أترك بحثًا مفيدًا يتعلّق به إلا وأوردته فيه، ثم إن إيراد النصّ أضمن، وأحسن، وأوفى بالمراد من تغييره باختصار، أو نحوه، فهاك نصّ الرسالة:

[سئل شيخ الإسلام] عن معنى حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا بينكم، فلا تظالموا. . ." إلى آخر الحديث.


(١) "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب - رحمه الله - ٢/ ٣٣ - ٥٥.