أصابه سقم، ثم عافاه الله منه، كان كفارةً لِمَا مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل من عمره، وإن المنافق إذا مَرِض، وعوفي كان كالبعير عَقَله أهله، وأطلقوه، لا يدري لِمَ عقلوه؟، ولا لِمَ أطلقوه؟ " (١)، وقال سلمان الفارسيّ: إن المسلم ليبتلى، فيكون كفارة لِمَا مضى، ومستعتبًا فيما بقي، وإن الكافر يبتلى، فمثله كمثل البعير أُطلق فلم يَدْر لِمَ أُطلق؟، وعُقل فلم يَدْر لِمَ عُقل؟.
وإن كان المراد: من وجد خيرًا أو غيره في الآخرة، كان إخبارًا منه بأن الذين يجدون الخير في الآخرة يحمدون الله على ذلك، وأن من وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه حين لا ينفعه اللوم، فيكون الكلام لَفْظه لَفْظ الأمر، ومعناه الخبر؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كذب عليّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"، والمعنى: أن الكاذب عليه يتبوأ مقعده من النار.
وقد أخبر الله تعالى عن أهل الجنة أنهم يحمدون الله على ما رزقهم من فضله، فقال:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف: ٤٣]، وقال تعالى:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}[الزمر: ٧٤]، وقال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥)} [فاطر: ٣٤، ٣٥]، وأخبر عن أهل النار أنهم يلومون أنفسهم، ويمقتونها أشدّ المقت، فقال تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}[إبراهيم: ٢٢]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠)} [غافر: ١٠].
وقد كان السلف الصالح يجتهدون في الأعمال الصالحة حَذَرًا من لوم النفس عند انقطاع الأعمال على التقصير.
وفي الترمذيّ عن أبي هريرة مرفوعًا: "ما من ميت يموت إلا نَدِم إن كان
(١) في سنده أبو منظور الشاميّ: مجهول، كما في "التقريب".