للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المؤمنين يُجَازَون بسيئاتهم في الدنيا، وتُدَّخَر لهم حسناتهم في الآخرة، فيوفّون أجورهم، وأما الكافر فإنه يُعَجَّل له في الدنيا ثواب حسناته، وتدّخر له سيئاته، فيعاقب بها في الآخرة.

وتوفية الأعمال هي توفية جزائها من خير أو شرّ، فالشر يجازى به مثله من غير زيادة، إلا أن يعفو الله عنه، والخير تضاعَف الحسنة عنه بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، لا يعلم قَدْرها إلا الله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

وقوله: "فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" إشارة إلى أن الخير كله فضل من الله تعالى على عبده من غير استحقاق له، والشرّ كله من عند ابن آدم من اتّباع هوى نفسه، كما قال - عز وجل -: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩].

وقال عليّ - رضي الله عنه -: لا يرجونّ عبد إلا ربه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، فالله سبحانه إذا أراد توفيق عبد، وهدايته أعانه، ووفّقه لطاعته، وكان ذلك فضلًا منه ورحمة، وإذا أراد خذلان عبد وكَّله إلى نفسه، وخَلَّى بينه وبينها، فأغواه الشيطان؛ لغفلته عن ذِكر الله تعالى، واتّبع هواه، وكان أمْره فُرُطًا، وكان ذلك عدلًا منه، فإن الحجة قائمة على العبد بإنزال الكتاب، وإرسال الرسول، فما بقي لأحد من الناس على الله حجة بعد الرسل، فقوله بعد هذا: "فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" إن كان المراد: مَن وجد ذلك في الدنيا، فإنه يكون حينئذ مأمورًا بالحمد لله على ما وجده من جزاء الأعمال الصالحة الذي عُجِّل له في الدنيا كما قال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوأُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل: ٩٧]، ويكون مأمورًا بلوم نفسه على ما فعلت من الذنوب التي وَجَد عاقبتها في الدنيا، كما قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)} [السجدة: ٢١]، فالمؤمن إذا أصابه في الدنيا بلاء رجع إلى نفسه باللوم، ودعاه ذلك إلى الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار.

وفي "المسند"، و"سنن أبي داود" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المؤمن إذا