(وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ) الاشتفاف في الشرب: استقصاؤه، مأخوذ من الشُّفَافة بالضم، والتخفيف، وهي البقية، تبقى في الإناء، فإذا شربها الذي شرب الإناء قيل: اشتفها، ومنهم من رواها بالمهملة، وهي بمعناها.
(وَإِنِ اضْطَجَعَ) وفي رواية: "وإذا رقد"(الْتَفَّ)؛ أي: رقد ناحيةً، وتلفف بكسائه وحده، وانقبض عن أهله إعراضًا، فهي كئيبة حزينة لذلك، ولذلك قالت:"ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ".
(وَلَا يُولِجُ) وفي رواية الطبرانيّ: "ولا يُدخل"، وهو بمعناه. (الْكَفَّ؛ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ) وفي رواية الترمذيّ، والطبرانيّ:"فيعلم" بالفاء بدل اللام، والمعنى: أنه لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله، ويَحْتَمِل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفَشِل الكَسِل، والمراد بالبثّ: الحُزْن، ويقال: شدة الحزن، ويُطلق البثّ أيضًا على الشكوي، وعلى المرض، وعلى الأمر الذي لا يُصْبَر عليه، فأرادت أنه لا يسأل عن الأمر الذي يقع اهتمامها به، فوصفته بقلّة الشفقة عليها، وأنه أن لو رآها عليلة لَمْ يُدخل يده في ثوبها؛ ليتفقد خبرها، كعادة الأجانب فضلًا عن الأزواج، أو هو كناية عن ترك الملاعبة، أو عن ترك الجماع، كما سيأتي.
وقد اختلفوا في هذا، فقال أبو عبيد: كان في جسدها عيب، فكان لا يُدخل يده في ثوبها ليلمس ذلك العيب؛ لئلا يشقّ عليها، فمدحته بذلك.
وقد تعقبه كلُّ من جاء بعده إلا النادر، وقالوا: إنما شكت منه، وذمّته، واستقصرت حظها منه، ودلّ على ذلك قولها قبلُ:"وإذا اضطجع التفّ"، كأنها قالت: إنه يتجنبها، ولا يدنيها منه، ولا يُدخل يده في جنبها، فيلمسها، ولا يباشرها، ولا يكون منه ما يكون من الرجال، فيعلم بذلك محبتها له، وحزنها لقلة حظها منه، وقد جَمَعت في وصفها له بين اللؤم، والبخل، والهمة، والمهانة، وسوء العشرة مع أهله، فإن العرب تَذُم بكثرة الأكل والشرب، وتتمدح بقلّتهما، وبكثرة الجماع؛ لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية.
وانتصر ابن الأنباريّ لأبي عبيد، فقال: لا مانع من أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه؛ لأنهن كن تعاهدن أن لا يكتمن من صفاتهم شيئًا، فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره، ومنهن من وصفته بضد