للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حلالًا في هذه الشريعة والخمر كلّه حرامًا، فعَدَل عما حُرّم فيها إلى ما أُحلّ فيها، ودلّ ذلك على هدايته لها، وقيل: هو من باب التفاؤل الحسن لَمّا كان اللبن أوّل شيء يدخل جوف الرضيع ويَفتح فمه عليه، سُمّي فِطرةً لشقّه الأمعاء، وما تقدّم أوجَه. انتهى كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لَمّا كان الخمر كلّه حرامًا" فيه نظر؛ إذ الخمر لم تكن حينئذ محرّمة، اللهم إلا أن يكون المراد أنها ستحرّم، فألهمه الله تعالى ذلك، فأعرض عنها، فيكون من توفيق الله له للهدى، أو نَفَرَ منها لِمَا جَبَلَه الله تعالى عليه من البُعْد عن أسباب الشرّ والفساد، كما نَفَر عنها كثير من عقلاء الجاهليّة لذلك، أو نَفَر منها لكونه لم يَعْتَدْ شربها، فوافق طبعه ما سيقع من تحريمها بعدُ، حفظًا من الله تعالى له ورعايةً، واختار اللبن؛ لكونه مألوفًا له، سهلًا طيّبًا سائغًا للشاربين، سليم العاقبة، بخلاف الخمر في جميع ذلك، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ عَرَجَ) بفتح العين والراء، من باب قعد، أي: صَعِدَ، وارتقى (بِنَا) أي: به ومن معه، وهو جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو عبّر بما هو للجماعة عن نفسه، لأن المقام مقام فخر واعتزاز، وتحدّث بنعمة الله تعالى (إِلَى السَّمَاءِ) أي: الدّنيا، كما جاء في الرواية الأخرى، ومعناه: القربى، وهي الأولى، (فَاسْتَفْتَحَ) أي: طلب فتح الباب، فالمفعول محذوف اختصارًا (جِبْرِيلُ)؛ (فَقِيلَ) أي: قال له خزانها، كما صُرّح به في الرواية الأخرى (مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ) خبر لمبتدأ محذوف، أي: أنا جبريل، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدَقّ الباب ونحوه، فقيل له: من أنت؟ فينبغي أن يقول: زيد مثلًا، إذا كان اسمه زيدًا، ولا يقول: أنا، فقد جاء الحديث بالنهي عنه، ولأنه لا فائدة فيه. انتهى (٢).

(قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -) خبر لمحذوف أيضًا؛ أي: هو محمد، أو مبتدأ حُذف خبره؛ أي: محمد معي، (قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟) ببناء الفعل للمفعول، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: مراد البوّاب بقوله: "وقد بُعِث إليه؟ " بعثه للإسراء وصعود السموات، وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة،


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٦٦١ - ٦٦٣.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ٢١٢.