للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فكأنهم خَشُوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما كرهوا محضر عمر - رضي الله عنه - لِمَا عَلِموا من شدّته، وصَدْعه بما يظهر له، فخافوا أن ينتصر لأبي بكر - رضي الله عنه -، فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على أبي بكر، وكانت قلوبهم قد طابت عليه، وانشرحت له، فخافوا أن يكون حضور عمر سببًا لتغيّرها. انتهى (١).

(فَقَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ) - رضي الله عنه - (وَاللهِ لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ)؛ أي: لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك، وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معنى قول عمر - رضي الله عنه -: لا تدخل عليهم وحدك: أنه خاف أن يُغلظوا عليه في المعاتبة، ويحملهم على الإكثار من ذلك لينُ أبي بكر، وصبره عن الجواب عن نفسه، وربما رأى من كلامهم ما غيَّر قلبه، فيترتب على ذلك مفسدة خاصّة، أو عامة، وإذا حضر عمر امتنعوا من ذلك. انتهى (٢).

(فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) - رضي الله عنه - (وَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟) قال ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ -: في هذا شاهدٌ على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر، وإجرائه مُجراه في التعدية، فإن "عسيت" في هذا الكلام بمعنى حَسِبت، وأجريت مُجراها، فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان، وكان حقّه أن يكون عاريًا من "أَنْ"، لكن جيء بها؛ لئلا تخرج "عسى" عن مقتضاها بالكلية، وأيضًا فإن "أَنْ" قد تسدّ بصلتها مسدّ مفعولي حَسِبت، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلًا منه، قال: ويجوز جعل "ما عسيتهم" حرف خطاب، والهاء والميم اسم عسى، والتقدير: ما عساهم أن يفعلوا بي؟ وهو وجهٌ حسنٌ. انتهى (٣).

(إِنِّي وَاللهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ) - رضي الله عنه -، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أما كون عمر - رضي الله عنه - حَلَفَ ألا يدخل عليهم أبو بكر وحده، فحَنّثه أبو بكر - رضي الله عنه -، ودخل وحده، ففيه دليل على أن إبرار القسم إنما يؤمر به الإنسان إذا أمكن


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٧٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ٧٨.
(٣) راجع: "الفتح" ٩/ ٣٤٣.