للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ) فاطمة - رضي الله عنها - (اسْتَنْكَرَ) بالبناء للفاعل، بمعنى أنكر، قال المجد - رَحِمَهُ اللهُ -: نَكِرَ فلانٌ الأمرَ، كفَرِحَ نَكَرًا، محرّكةً، ونُكْرًا، ونُكورًا، بضمّهما، ونَكِيرًا، وأنكره، واستنكره، وتناكره: جَهِلَهُ. انتهى (١).

وقوله: (عَلِيٌّ) مرفوع على الفاعليّة، وقوله: (وُجُوهَ النَّاسِ) منصوب على المفعوليّة.

(فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الأَشْهُرَ)؛ أي: الستّة التي عاشتها فاطمة - رضي الله عنها - بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولا يُظن بعليّ - رضي الله عنه - أنه خالف الناس في البيعة، لكنه تأخر عن الناس لمانع منعه، وهو الموجدة التي وجدها، حيث استُبِدَّ بمثل هذا الأمر العظيم، ولم ينتظر مع أنه كان أحقّ الناس بحضوره، ومَشُورته، لكن العذر للمبايعين لأبي بكر على ذلك الاستعجالِ مخافةَ ثوران فتنة بين المهاجرين والأنصار، كما هو معروف في حديث السقيفة، فسابقوا الفتنة، فلم يتأتَّ لهم انتظاره لذلك، وقد جرى بينهما في هذا المجلس من المحاورة والمكالمة، والإنصاف ما يدلّ على معرفة بعضهم بفضل بعض، وأن قلوبهم متفقة على احترام بعضهم لبعض، ومحبة بعضهم لبعضٍ، ما يَشْرَق به الرافضيّ اللعين، وتُشْرِقُ به قلوبُ أهل الدِّين. انتهى (٢).

قال المازريّ: العذر لعليّ - رضي الله عنه - في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحلّ والعقد، ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كلَّ أحد أن يحضر عنده، ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته، والانقياد له بأن لا يخالفه، ولا يَشُقّ العصا عليه، وهذا كان حالَ عليّ - رضي الله عنه - لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر (٣).

(فَأَرْسَلَ) عليّ - رضي الله عنه - (إِلَى أَبِي بَكْرٍ) الصدّيق - رضي الله عنه - (أَنِ ائْتِنَا، وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ - كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) - رضي الله عنه -، والسبب في ذلك ما أَلِفُوه من قوة عمر - رضي الله عنه -، وصلابته في القول والفعل، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - رقيقًا ليّنًا،


(١) "القاموس المحيط" ص ١٣١٤.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٧٠ - ٥٧١.
(٣) "الفتح" ٩/ ٣٤٢.