للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(وَلَمْ يُؤْذِنْ) بضمّ أوله، وكسر ثالثه، من الإيذان، وهو الإعلام؛ أي: لم يُعْلِم (بِهَا)؛ أي: بموتها، (أَبَا بَكْرٍ) الصدّيق - رضي الله عنه -، قال في "الفتح": ورَوَى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن، أن العباس صلّى عليها، ومن عدّة طرق أنها دُفنت ليلًا، وكان ذلك بوصية منها؛ لإرادة الزيادة في التستر، ولعله لم يُعْلِم أبا بكر بموتها؛ لأنه ظنّ أن ذلك لا يخفى عنه، وليس في الخبر ما يدلّ على أن أبا بكر لم يَعلم بموتها، ولا صلى عليها.

وأما الحديث الذي أخرجه مسلم، والنسائيّ، وأبو داود، من حديث جابر - رضي الله عنه - في النهي عن الدفن ليلًا، فهو محمول على حال الاختيار؛ لأن في بعضه إلا أن يَضطَرّ إنسان إلى ذلك. انتهى (١).

(وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ) - رضي الله عنه - (وَكَانَ لِعَلِيٍّ) - رضي الله عنه - (مِنَ النَّاسِ وِجْهَة حَيَاةَ فَاطِمَةَ) - رضي الله عنها -؛ أي: كان الناس يحترمونه إكرامًا لفاطمة - رضي الله عنها -، فلما ماتت، واستمرّ على عدم الحضور عند أبي بكر - رضي الله عنه - قَصَر الناس عن ذلك الاحترام؛ لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس، ولذلك قالت عائشة - رضي الله عنها - في آخر الحديث: "لَمّا جاء، وبايع كان الناس قريبًا إليه، حين راجع الأمر بالمعروف"، وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلّف عن أبي بكر في مدّة حياة فاطمة - رضي الله عنها -؛ لِشُغْله بها، وتمريضها، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها - صلى الله عليه وسلم -، ولأنها لمّا غَضِبت من ردّ أبي بكر عليها، فيما سألته من الميراث، رأى عليّ - رضي الله عنه - أن يوافقها في الانقطاع عنه.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وكان لعليّ من الناس وجهة حياة فاطمة"؛ أي: جاه واحترام، فكان الناس يحترمون عليًّا في حياتها كرامة لها؛ لأنها بضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مباشر لها، فلمّا ماتت وهو لم يبايع أبا بكر، انصرف الناس عن ذلك الاحترام؛ ليدخل فيما دخل فيه الناس، ولا يفرّق جماعتهم، ألا ترى أنه لما بايع أبا بكر أقبل الناس عليه بكل إكرام وإعظام؟!. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ٩/ ٣٤٢، كتاب "المغازي" رقم (٤٢٤٠).
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٦٩.