للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الشهادة! فلمَّا استحضر قُدامة أنكر، فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين! إن كنت تشك في شهادتي فَسَلْ بنت الوليد امرأة ابن مظعون فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله. فأقامت هند على زوجها الشهادة، فجلده. فظاهر هذا: أن عمر لم يسمع شهادة أبي هريرة لمّا قال له: أنَّه لم يره يشرب، وإنَّما رآه يتقيَّأ.

والجواب: أن عمر - رضي الله عنه - إنَّما توقّف في شهادة أبي هريرة؛ لأنَّ أبا هريرة سلك في أداء الشهادة مسلك من يُخبر بتفصيل قرائن الأحوال التي أفادته العلم بالمشهود فيه، ومهما شرع الشاهد في تفصيل ذلك وحكايته لم يحصل لسامع الشهادة الجزم بصحتها، لأنَّ قرائن الأحوال لا تنضبط بالحكاية عنها، وإنما حق الشاهد أن يعرض عنها، ويقْدِم على الأداء إقدام الجازم المخبر عن علم حاصل، فكان توقُّف عمر لذلك. ثمَّ إن أبا هريرة لمّا جزم في الشهادة سمعها عُمر وحَكَم بها، لكنه استظهر بقول هند على عادته في الاستظهار في الشهادات والإخبار، ولا يَظُنّ به: أنه ردَّ شهادة أبي هريرة، وقَبِل شهادة امرأة في الحدود، إلا من هو عن المعارف مصدود. انتهى (١).

(فَقَالَ: يَا عَلِيُّ) يعني: ابن أبي طالب - رضي الله عنه - (قُمْ فَاجْلِدْهُ) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: معنى هذا الحديث أنه لمّا ثبت الحدّ على الوليد بن عقبة، قال عثمان - رضي الله عنه - وهو الإمام لعليّ - رضي الله عنه - على سبيل التكريم له، وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحدّ -: قُمْ، فاجلده؛ أي: أَقِمْ عليه الحدّ، بأن تأمر من ترى بذلك، فقَبِل عليّ - رضي الله عنه - ذلك، فقال للحسن ابنه: قُم، فاجلده، فامتنع الحسن، فقال لابن جعفر، فقَبِل، فجَلَده، وكان عليّ مأذونًا له في التفويض إلى من رأى كما ذكرناه. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: فيه دليل على أن الحدَّ إنَّما ينبغي أن يقيمه بين أيدي الخلفاء والحكام فضلاءُ الناس، وخيارهم، وكذلك كانت الصحابة - رضي الله عنهم - تفعل كلَّما وقع لهم شيء من ذلك، وسبب ذلك: أنَّه قيامٌ بقاعدةٍ شرعية، وقُربة تعبديَّة تجب المحافظة على فعلها، وقدْرها، ومحلِّها، وحالها، بحيث لا يُتَعَدَّى من شروطها، ولا أحكامها، ولذلك يجب عند جميع العلماء أن يختار


(١) "المفهم" ٥/ ١٣٣ - ١٣٤.
(٢) "شرح مسلم" ١١/ ٢١٩.