للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وذكر المسعوديّ في "المروج" أن عثمان قال للذين شهدوا: وما يدريكم أنه شرب الخمر؟ قالوا: هي التي كنا نشربها في الجاهلية، وذكر الطبريّ (١) أن الوليد وَلِيَ الكوفة خمس سنين، قالوا: وكان جوادًا، فولى عثمان بعده سعيد بن العاص، فسار فيهم سِيرة عادلة، فكان بعض الموالي يقول [من مشطور الرجز]:

يَا ويلَنَا قَدْ عُزِلَ الْوَلِيدُ … وَجَاءَنَا مُجَوِّعًا سَعِيدُ

يَنْقُصُ فِي الصَّاعِ وَلَا يَزِيدُ … فَجُوِّعَ الإِمَاءُ وَالْعَبِيدُ (٢)

(أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ فَقَالَ عُثْمَانُ) - رضي الله عنه - (إِنَّهُ)؛ أي: إن الوليد، ويَحْتَمِل أن يكون الضمير للشأن، (لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا) هذا بيان صريح في كون عثمان - رضي الله عنه - جلد الوليد لثبوت شرب الخمر منه، وهو الذي يدلّ عليه سياق القصّة هنا في مسلم، ومما يُتعجّب منه أن بعض شراح مسلم (٣) نفى أن تكون رواية مسلم هذه تدلّ على هذا، ثم دافع عن الوليد بما ذَكَره الطبريّ في "تاريخه" بسند ضعيف، من أنه لم يثبت عليه شرب الخمر أصلًا، وإنما هؤلاء الذين شهدوا عليه عند عثمان - رضي الله عنه - كلهم شهود زور، اثم أجاب عن ضعف الإسناد عند الطبريّ بجواب عجيب لم يُسمع مثله عن أحد ممن يعتني بالحديث، ولا سيّما بشرح "صحيح مسلم"، وهو أن الراوي الضعيف، لا يكذب، ولا يُخطئ دائمًا إلى آخر ما قاله. سبحان الله، هل يضعّف ما دلّ عليه "صحيح مسلم" بمثل هذه الترّهات؟ فإنا لله، وإنا إليه راجعون.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "فشهد حمران … إلخ" فيه من الفقه تلفيق الشهادتين إذا أدَّتا إلى معنى واحد، فإن أحدهما شَهِد برؤية الشرب، والآخر بما يستلزم الشرب، ولذلك قال عثمان: إنَّه لم يتقيَّأ حتى شربها، غير أنَّه قد ذكر الْحُمَيْدِيّ محمد بن أبي نصر في حديث عمر حين شهد عنده الجارود: بأن قُدامة شرب الخمر، ثمَّ دعا بأبي هريرة وقال: علام تشهد؟ قال: لم أره حين شرب! وقد رأيته سكران يقيء، فقال عمر: لقد تنظَعتَ يا أبا هريرة في


(١) راجع: "تاريخ الطبريّ" ٣/ ٣٣٠ - ٣٣١.
(٢) "الفتح" ٨/ ٣٩٨ - ٣٩٩، كتاب "فضائل الصحابة" رقم (٣٦٩٦).
(٣) هو صاحب "تكملة فتح الملهم". راجع ما كتبه في ٢/ ٥٠٠ - ٥٠٢.