للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وحديث ابن عباس رواه مِسعر، عن أبي عون، عبد الله بن شداد، عن ابن عباس، قال: "والسُّكر من كل شراب". وقال ابن المنذر: جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة ذكرناها مع عللها، وذكر الأثرم أحاديثهم التي يحتجون بها عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والصحابة فضعّفها كلها، وبَيَّن عللها، وقد قيل: إن خبر ابن عباس موقوف عليه، مع أنه يَحْتمل أنه أراد بالسُّكْر: المسكر من كل شراب، فإنه يَروي هو وغيره عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كل مسكر حرام". انتهى كلام ابن قُدامة رحمهُ اللهُ (١)، وهو بحث مفيد، وقد استوفيت البحث في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه (٢) تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في شرب قليل المسكر:

قال ابن قُدامة رحمهُ اللهُ: يجب الحدّ على من شرب قليلًا من المسكر أو كثيرًا، ولا نعلم بينهم خلافًا في ذلك في عصير العنب غير المطبوخ، واختلفوا في سائرها، فذهب إمامنا إلى التسوية بين عصير العنب، وكل مسكر، وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، ولأوزاعيّ، ومالك، والشافعيّ.

وقالت طائفة: لا يُحدّ إلا أن يَسْكَر، منهم: أبو وائل، والنخعيّ، وكثير من أهل الكوفة، وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور: من شربه معتقدًا تحريمه حُدّ، ومن شربه متأوّلًا فلا حد عليه؛ لأنه مختلَف فيه، فأشبه النكاح بلا وليّ.

قال: ولنا ما رُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من شرب الخمر فاجلدوه"، رواه أبو داود، وغيره، وقد ثبت أن كل مسكر خمر، فيتناول الحديث قليله وكثيره، ولأنه شراب فيه شدةٌ مُطْرِبة، فوجب الحد بقليله كالخمر، والاختلاف فيه لا يمنع وجوب الحدّ فيها، بدليل ما لو اعتقد تحريمها، وبهذا فارق النكاح بلا وليّ ونحوه من المختلَف فيه، وقد حَدّ عمر قُدامة بن مظعون وأصحابه، مع اعتقادهم حِلّ ما شربوه، والفرق بين هذا وبين سائر المختلَف فيه من وجهين:

أحدهما: أن فِعل المختلَف فيه ههنا داعية إلى فعل ما أُجمع على تحريمه، وفعل سائر المختلف فيه يصرف عن جنسه من المجمع على تحريمه.


(١) "المغني" لابن قُدامة رحمهُ اللهُ ١٠/ ٣٢٣ - ٣٢٣.
(٢) راجع: "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ٤٠/ ٢٩٩ - ٣٢٩.