للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الثاني: أن السُّنَّة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد استفاضت بتحريم هذا المختلف فيه، فلم يبق فيه لأحد عذر في اعتقاد إباحته، بخلاف غيره من المجتهَدات، قال أحمد بن القاسم: سمعت أبا عبد الله يقول: في تحريم المسكر عشرون وجهًا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بعضها: "كل مسكر خمر"، وبعضها: "كل مسكر حرام".

انتهى كلام ابن قُدامة رحمهُ اللهُ (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه الأولون من أن الحدّ يجب على من شرب مسكرًا قليلًا كان أو كثيرًا، من جميع أنواع المسكر هو الحقّ؛ لكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، كما مرّ في كلام الإمام أحمد رحمهُ اللهُ المذكور آنفًا، والله تعالى أعلم.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في مقدار حدّ الشرب:

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: وأما الخمر فقد أجمع المسلمون على تحريم شربها، وأجمعوا على وجوب الحدّ على شاربها، سواء شرب قليلًا أو كثيرًا، وأجمعوا على أنه لا يُقتَل بشربها، وإن تكرر ذلك منه، هكذا حَكَى الإجماع فيه الترمذيّ، وخلائق، وحَكَى القاضي عياض رحمهُ اللهُ عن طائفة شاذّة أنهم قالوا: يُقتل بعد جلده أربع مرات؛ للحديث الوارد في ذلك، وهذا القول باطلٌ، مخالفٌ لإجماع الصحابة، فمَن بعدهم على أنه لا يُقتل، وإن تكرر منه أكثر من أربع مرات، وهذا الحديث منسوخ، قال جماعة: دلّ الإجماع على نسخه، وقال بعضهم: نَسَخه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

قال الجامع عفا الله عنه: دعوى الإجماع، وكذا النسخ للحديث فيه نظر لا يخفى، فقد ألّف بعض المحقّقين (٢) في ذلك رسالة، فلتطالعها، وكذا حقّق الكلام فيه ابن حزم في "المحلّى"، فلتراجعه، والله تعالى وليّ التوفيق.

قال: واختَلَف العلماء في قدر حدّ الخمر، فقال الشافعيّ، وأبو ثور، وداود، وأهل الظاهر، وآخرون: حدّه أربعون، قال الشافعيّ رحمهُ اللهُ: وللإمام أن


(١) "المغني" لابن قُدامة ١٠/ ٣٢٣.
(٢) هو الشيخ أحمد محمد شاكر المصريّ رحمهُ اللهُ.