للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فالجواب عن الوجهين: أن الصحابة - رضوان الله عليهم - هم الذين نقلوا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما يدلُّ على التعزير، وهم الذين نقلوا ما يدل على التحديد، والذين قاسوا واجتهدوا هم الذين عدَّدوا وحدَّدُوا، ولم ينصَّ أحدٌ منهم على نفي أحد الوجهين وثبوت الآخر، وإنما هو نقل أحوالٍ محتملة، فلا بدَّ من التوفيق بين أقوالهم؛ لاستحالة التناقض والكذب عليهم.

ووجهُ التوفيق: أن الصحابةَ - رضي الله عنهم - فهمت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ جَلده كان تعزيرًا؛ لأنَّه قد اختلف حاله فيه: فمرةً نجلد فيه بالأيدي، والنِّعال، والثياب من غير عدب، ومرَّةً جلد فيه بالجريد والثعال أربعين، ومرَّةً جلد فيه بجريدتين نحو الأربعين، فهذه نحو الثمانين. فهذا تعزيز بلا شك، لكن لَمَّا كان أكثر جلده أربعين اختاره أبو بكر، وعمر في أول أمره، فلمَّا كثر إقدامُ الناس على شرب الخمر، تفاوضت الصحابة في ذلك ونظروا، فظهر لهم: أن ذلك القَدْر لا يزجرهم، ولا يُبالون به، فظهر لهم أن يُلحقوهْ بأخفّ حدود افي حرار المذكورة في القرآن، فوجدوه القذف، مع أنهم قد ظهر لهم جامع بينهما، فقالوا: إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى، ومع ما تقدَّم لهم: من أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد قارب فيه الثمانين، فأثبتوها، ومنعوا من الزيادة عليها، ولمّا ظهر هذا المعنى لعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال مصرِّحًا به: جلد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سُنَّة. ثمَّ إنَّه جلد هو أربعين، وأقرَّه على ذلك عثمان، ومَن حضر من الصحابة - رضي الله عنهم - وظهر له: أن الاقتصار على أربعين أولى من الثمانين؛ مخافةَ أن يموتَ فتلزمه الدِّية، كما قد صرَّح به؛ حيث قال: ما كنت أقيمُ على أحدٍ حدًّا فيموت فيه، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر؛ لأنه إنْ مات وَدَيْتُهُ، وهذا يدلُّ على أنَّه جلد فيه ثمانين في ولايته، وأنَّه لم يخالف عمر في الثمانين، وإيَّاها عَنَى بقوله: "فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه"، ولا يصحُّ أن يريدَ بذلك الأربعين؛ لأنه هو الذي روى أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جلد فية أربعين، ولو مات في الأربعين لم تجب له ديةٌ بوجهٍ، ولذلك قال الشافعيُّ: "لو مات في الأربعين فالحقُّ قَتَلَهُ، كما تقدَّم. فتفهَّم هذا البحث، فإنَّه حسن.

وحاصله: أن الجلدَ على الخمر تعزيرٌ مُنِع الزيادة على غايته، فرأت