قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الثاني الراجح، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.
(قَالَ) أي أبو ظبيان (فَقَالَ سَعْدٌ) أي ابن أبي وقّاص - رضي الله عنه - (وَأَنَا وَاللهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ) - بضم الباء - تصغير بَطْن، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: قيل لأسامة: ذو الْبُطَين؛ لأنه كان له بطن عظيم.
انتهى. وقوله:(- يَعْنِي أُسَامَةَ -) العناية من أحد الرواة، المصنّف، أو من فوقه، يعني بقوله:"ذو البطين": أسامة بن زيد صاحب القصّة هنا.
(قَالَ) الراوي، والظاهر أنه أبو ظبيان (قَالَ رَجُلٌ) منكرًا قول سعد - رضي الله عنه - المذكور (أَلمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: ٣٩]؟)، قال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى في "تفسيره"(٢/ ٣٥٣): هذا أمرٌ بالقتال لكل مشرك، في كل موضع، على مَن رآها ناسخةً، ومن رآها غير ناسخة قال: المعنى: قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ}، والأول أظهر، وهو أَمْر بقتالٍ مُطلق، لا بشرطِ أن يبدأ الكفار، دليل ذلك قوله تعالى:{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"، فدَلَّت الآية والحديث على أنّ سبب القتال هو الكفر؛ لأنه قال:{حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}: أي كُفْرٌ، فجَعَل الغاية عدمَ الكفر، وهذا ظاهرٌ، قال ابن عباس، وقتادة، والربيع، والسُّدِّيّ، وغيرهم: الفتنة هنا الشرك، وما تابعه من أذى المؤمنين، وأصل الفتنة الاختبار والامتحان، مأخوذ من فَتَنْتُ الفضة: إذا أدخلتها في النار؛ لتميز رديئها من جَيِّدها. انتهى كلام القرطبيّ (١).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في "تفسيره"(٢/ ٣٠٩): وقال الضحاك عن ابن عباس: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} يعني: لا يكون شرك، وكذا قال أبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسُّدّيّ، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، وقال محمد بن إسحاق: بلغني عن الزهريّ، عن عروة بن الزبير وغيره، من علمائنا:{حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} حتى لا يُفْتَنَ مسلم