للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

معًا، غير أن بعض الرواة ذكر إحدى الكلمتين، وذكر آخر الأخرى. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ويحتمل أن يكون بعض الرواة رواه بالمعنى، والله تعالى أعلم.

(حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ) أي أن إسلامي كان ذلك اليوم؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، فتمنى أن يكون ذلك الوقت أَوّلَ دخوله في الإسلام؛ ليأمن من جَرِيرة تلك الْفَعْلة، ولم يُرد أنه تَمَنَّى أن لا يكون مسلمًا قبل ذلك.

وقال الخطابي: لعل أسامة تأوّل قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٥]، ولذلك عَذَره النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُلزِمه ديةً ولا غيرها.

قال الحافظ: كأنه حَمَل نفي النفع على عمومه دنيا وأخرى، وليس ذلك المراد، والفرق بين المقامين أنه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعًا مقيدًا، بأن يَجِبَ الكَفُّ عنه حتى يُخْتَبَر أمره، هل قال ذلك خالصًا من قلبه، أو خشيةً من القتل؟، وهذا بخلاف ما لو هَجَم عليه الموتُ، ووَصَلَ خروج الروح إلى الغرغرة، وانكشف الغطاء، فإنه إذا قالها لم تنفعه بالنسبة لحكم الآخرة، وهو المراد من الآية. انتهى.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وإنما تمنّى أسامة أن يتأخّر إسلامه إلى يوم المعاتبة ليسلم من تلك الجناية السابقة، وكأنه استصغر ما كان منه من الإسلام، والعمل الصالح قبل ذلك في جنب ما ارتكبه من تلك الجناية؛ لِمَا حَصَلَ في نفسه من شدّة إنكار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لذلك وعِظَمه.

[فإن قيل]: إذا استحال أن يكون قتل أسامة لذلك الرجل عمدًا؛ لما ذكرتم، وثَبَتَ أنه خطأ، فلِمَ لم تلزمه الكفّارة، والعاقلةَ الديةُ؟.

[فالجواب]: أن ذلك مسكوت عنه، وغير منقول شيءٌ منه في الحديث، ولا في شيء من طرقه، فيَحْتَمِلُ أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حَكَمَ بلزوم ذلك أسامة وعاقلته، ولم يُنقَل، وفيه بُعدٌ؛ إذ لو وقع شيء من ذلك لنُقِل في طريق من الطرق، مع أن العادة تقتضي التحديث بذلك والإشاعة، ويحتمل أن يقال: إن ذلك كان قبل نزول حكم الكفّارة والدية، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).


(١) "المفهم" ١/ ٢٩٦ - ٢٩٧.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٩٧ - ٢٩٨.