للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المهمّة، وقد تقدم من رواية ابن إسحاق أنه قال فيها: "أما بعد" (وَأثْنَى عَلَيْهِ) عطف على جملة الحمد، من عطف العام على الخاصّ (ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) بضم أوله، من التحريم؛ أي: أن تحريمها كان بوحي من الله، لا أنها اصطلح الناس على تحريمها بغير أمر الله تعالى، وتقدم الجمع بين هذا وبين حديث: "إن إبراهيم حرّم مكة" في شرح حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الماضي.

(وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ، يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فيه تنبيه على الامتثال؛ لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه؛ خوف الحساب عليه.

قال النوويّ -رحمه الله-: هذا قد يحتجّ به من يقول: إن الكفار غير مخاطَبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثرين أنهم مخاطبون بها كما هم مخاطبون بأصوله، وجوابهم بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: "ولا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر"؛ لأن المؤمن هو الذي ينقاد لأحكام شرعنا، وينزجر عن محرّماته، ويستثمر أحكامه، فجعل الكلام فيه، وليس فيه نفي ذلك عن غيره. انتهى.

وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: الذي أراه أنه خطاب التهييج، نحو قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣]. فالمعنى أن استحلال هذا المنهيّ عنه لا يليق بمن يؤمن بالله، واليوم الآخر، بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، ولو قيل: لا يحلّ لأحد مطلقًا لم يحصل منه هذا الغرض، وإن أفاد التحريم.

(أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا) بكسر الفاء، من باب ضرب، وفيه لغة أخرى، من باب قتل، وهو صبّ الدم، والمراد به القتل.

واستدلّ به على تحريم القتل والقتال بمكة، وهو القول الراجح، وتقدّم تحقيقه قريبًا (وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا) بكسر الضاد المعجمة، وفتح الدال المهملة؛ أي: يُقطع بالمِعضد، وهو آلة كالفأس.

(فَإِنْ تَرَخَّصَ أَحَدٌ لِقِتَالِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا) وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد: "فإن ترخّص مترخّص، فقال: أُحلّت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الله أحلها