الزبير أتاه أبو شُريح، فكلمه، وأخبره بما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم خرج إلى نادي قومه، فجلس فيه، فقمت إليه، فجلست معه، فحَدَّث قومه، قال: قلت له: يا هذا إنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عَدَت خُزاعة على رجل من هُذيل، فقتلوه، وهو مشرك، فقام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا"، فذكر الحديث.
وأخرج أحمد أيضًا من طريق الزهريّ، عن مسلم بن يزيد الليثيّ، عن أبي شُريح الخزاعيّ أنه سمعه يقول: "أذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا، وهو بمكة، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضع السيف، فلقي الغدَ رهطٌ منا رجلًا من هذيل في الحرّ يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان وَتَرَهم في الجاهلية، وكانوا يطلبونه، فقتلوه، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب غضبًا شديدًا ما رأيته غضب غضبًا أشدّ منه، فلما صلى قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن الله حرّم مكة … الحديث.
(سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ) أراد أنه بالغ في حفظه، والتثبت فيه، وأنه لم يأخذه بواسطة، وأتى بالتثنية تأكيدًا (وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ) أي: بذلك القول.
وفي هذا الكلام إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله:"سمعته" أي: حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله:"ووعاه قلبي" تحقيق لفهمه، وتثبّته، وقوله:"وأبصرته عيناي" زيادة في تحقيق ذلك، وأن سماعه منه ليس اعتمادًا على الصوت فقط، بل مع المشاهدة، وقوله:"حين تكلّم به" أي: بالقول المذكور، ويؤخذ من قوله:"ووعاه قلبي" أن العقل محله القلب.
وقال النوويّ -رحمه الله-: أراد بهذا كلِّه المبالغة في تحقيق حفظه إياه، وتيقنه زمانَهُ ومكانَهُ، ولفظه. انتهى (١).
(أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ) هو بيان لقوله: "تكلم". ويؤخذ منه استحباب الثناء على الله تعالى بين يدي تعليم العلم، وتبيين الأحكام، والخطبة في الأمور