للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أن هكذا كان يصومه - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي رَوَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده" (١)، ذكره أحمد، وهو الذي روى: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصوم عاشوراء يوم العاشر، ذكره الترمذيّ (٢).

[فالجواب]: عن هذه الإشكالات -بعون الله وتأييده وتوفيقه-:

أما الإشكال الأول، وهو أنه لَمّا قَدِم المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء، فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه إنما قَدِم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة، ولم يكن وهو بمكة، هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية، وإن كان بالشمسية زال الإشكال بالكلية، ويكون اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء، من أول المحرَّم، فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية، فوافق ذلك مَقْدَم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة في ربيع الأول، وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس، وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي، وكذلك حجّهم، وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب، أو مستحبّ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحقّ بموسى منكم"، فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم، وفي تعيينه، وهم أخطؤوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية، كما أخطأ النصارى في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر.

وأما الإشكال الثاني، وهو أن قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه، فلا ريب أن قريشًا كانت تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون الكعبة فيه، وصومه من تمام تعظيمه، ولكن إنما كانوا يَعُدُّون بالأهلة،


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١/ ٢٤١)، وابن خزيمة في "صحيحه" (٢٠٩٥)، وفي سنده ابن أبي ليلى، سيئ الحفظ. وأخرجه عبد الرزّاق (٧٨٣٩)، والبيهقيّ في "الكبرى" (٤/ ٢٨٧) موقوفًا على ابن عبّاس - رضي الله عنه - بلفظ: "صوموا اليوم التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود" وسنده صحيح.
(٢) أخرجه الترمذيّ (٧٥٥)، ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة الحسن.